مقال الكاتب الصحفي المصري (أحمد هريدي)، المعنون بـ (الجيش القطري يطلب مرتزقة للقتال في ليبيا والعراق وسوريا)، الذي تم تداوله على نطاق واسع خاصة في المواقع السودانية، إذ أنه خصص جله للحديث عن تجنيد شباب سودانيين في الجيش القطري بصفة (مرتزقة)، على حد تعبيره.
هريدي أشار في مقالة آنف الذكر إلى أن استقبال سفارة قطر في الخرطوم لآلاف الشباب السودانيين المتقدمين للتجنيد في الجيش القطري، كان من الممكن أن يمر هذا الإعلان كغيره من إعلانات الوظائف الإدارية دون أن يثير الشبهات، لولا أن الفقرة الأخيرة تضمنت نصاً يلزم المُتقدم للوظيفة بأن بالسفر إلى قطر على نفقته الخاصة لإجراء الاختبارات، وحال اجتيازه الفحص الطبي يتم تعويضه عن تذكرة السفر، أما إذ حدث العكس فستكون قيمة تذكرة العودة على نفقته الخاصة.
بالطبع فالشرط الأخير فيه إجحاف كبير، إذ كان من الممكن إجراء تلك الاختبارات الطبية في الخرطوم بدلاً عن تكبيد الشباب الفقير كل هذه الخسائر، ومن ثم إعادتهم إلى بلادهم على نفقتهم الخاصة تحت عنوان (غير لائق طبياً)!!
لكن الأهم من كل هذا، إنه ما كان ينبغي لـ (هريدي) أن يتحامل على هؤلاء الشباب ويصفهم بالمرتزقة، خاصة وأن الإعلان يقول بأنهم سيشغلون وظائف إدارية وتقنية وليست قتالية، إذ أن استيعاب أفراد بهاتين الصفتين من جنسيات أخرى في أي جيش وطني لا يصنف ارتزاقاً وإنما توظيفاً عادياً، لكن (هريدي) أبت نفسه الأمارة بالحط من أقدار السودانيين إلاّ وأن تربط بين موضوعين منفصلين تماماً ليصل إلى تلك النتيجة. إذ قال إنه يتوفر على معلومات تفيد أن مواطنين سودانيين دونوا بلاغات باختفاء عدد من أبنائهم الذين كانوا يترددون على مسجد في ضاحية الجريف غرب بالعاصمة الخرطوم، يدأب إمامه في نشر الفكر الإرهابي المتطرف وتجنيد الشباب بدعوى الجهاد في ليبيا وسوريا والعراق، بإعلانات رسمية عن وظائف إدارية بالجيش القطري.
فما الذي يجمع بين هذه وتلك يا (هريدي)؟ صحيح أن هؤلاء الشباب ضاق بهم السودان بما رحب، نتيجة للظروف الراهنة المعروفة لدى الجميع، فالحرب وسوء الأوضاع الاقتصادية والفقر والبطالة كلها عوامل قد تدفع للمغامرة بالارتزاق أو الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة، وكان بإمكان هؤلاء الشباب أن يكونوا الآن بين يدي داعش وفقاً لمعطيات بلدهم، لكننا لم نر سودانياً واحداً ينحر إنساناً بحد المدية في جبال كردستان أو بقاع الشام كما يفعل المتطرفون العرب.
لذلك، فإن من تزاحموا وتناكبوا وتكالبوا وانكبوا على بوابات ونوافذ السفارة القطرية من شبابنا ليسوا مرتزقة ولا متطرفين ولا جهاديين، وإنما هم باحثون عن وظائف لا يهم إن كانت في الجيش أو البيداء خلف العيس الهائمة أو في (السما الأحمر)، فكفوا عنهم أقلامكم حتى لا تضطرونهم إلى (القعقعة) بأسلحة (داعشية)!!
[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمانالحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي