إذن هنا يقفز سؤال إلى الأذهان حول تعامل الدولة وسلطاتها مع مثل هذه الأحداث.. فلماذا لم تحرّك ضدهم السلطات دعاوى جنائية؟! فهل وقعت هذه الأحداث المؤسفة في حالة حرب؟! طبعاً لا.. فاليوناميد لا تحارب، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها إطلاقاً ضد بعض العصابات أو الحركات المسلحة التي تستهدف نهبها لتمويل أنشطتها سواء للنهب أو لمحاربة قوات الحكومة أو على الأقل حماية نفسها من عمليات الدحر التي تقوم بها القوات الحكومية ضدها لتنظيف الأرض من حالات نسف الاستقرار وعدم استتباب الأمن.
فقوات اليوناميد رغم الأهداف المعروفة التي جاءت من أجلها إلا أنها تقيم في إقليم دارفور وكأنها جالية أو اصطفاف عاملين لشركات استثمارية، فهي تطالب الدولة أن تحميها بواسطة القوات المسلحة من أي اعتداء عليها، وهذا وحده ينسف المبررات التي جاءت وأرسلت بموجبها إلى إقليم دارفور. نعم نقل الحرب من الجنوب إلى الغرب وتأسيس حركات متمردة في غرب البلاد فتح الثغرة لإرسال قوات أجنبية بدعوى حماية الأهالي، مع أن الأهالي قبل نقل التمرد إلى بعض مناطقهم من جنوب السودان قبل انفصاله، ما كانوا في حاجة إلى قوات تحميهم غير شرطة الاحتياطي المركزي التي كانت تطارد عصابات النهب المسلح. وكل ما يحدث الآن من اعتداء من قبل اليوناميد أياً كان شكلها ضد المدنيين في دارفور كما أشار السيد وكيل وزارة الخارجية في إفاداته تبقى حركات عبد الواحد ومناوي وجبريل إبراهيم هي المسؤولة منه بالدرجة الأولى، لأن استمرار تمردها رغم اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي لسنة 2005م هو الذي يطيل أيام وجود اليوناميد.. وإذا كان وكيل وزارة الخارجية السيد الأزرق قد قال إن المطالبة بمغادرة بعثة اليوناميد تجيء نتيجة للتحسن الكبير في الوضع الأمني خاصة في السنة الأخيرة، فهذا يمكن أن يعين على تفسير الأخبار الكاذبة التي أطلقتها إذاعة دبنقا على طريقة شائعات الواتساب بصورة أعمق، ويلفت أنظارنا إلى أن هناك مؤامرة بين المتمردين أو بعضهم وبين القائمين على أمر قوات اليوناميد قوات الاغتصابات التي تطلب الحماية من الحكومة السودانية، وأن هذه المؤامرة تهدف إلى اطالة أمد وجود البعثة بالاستبقاء على مبررات استمرارها بعد أن استهواها البقاء في السودان الجميل. واستهوى قادتها هنا التجوال في محيط ملتقى النيلين في مقرن الخرطوم والسهر اللذيذ في مطاعم شارع إفريقيا الفاخرة. وقد أشار الأزرق إلى هذا السبب، حيث قال ضمن إفاداته إن بعثة اليوناميد تحرص على البقاء في الإقليم ولا تريد الرضوخ لاتفاقية وجودها، ويعيش أفرادها في رغد من العيش على ميزانية تصل إلى مليار وثلاثمائة وواحد وأربعين مليون دولار لم تنفق منها كثيراً على البنيات التحتية والتنمية في إقليم دارفور.
إذن لا بد من البحث عن طريقة لحياكة أكاذيب تبقي على مبررات وجودها. لكن لماذا تريد هذه البعثة الحفاظ على وجودها وهي تطلب الحماية من القوات المسلحة؟! هل حلت معها القوات المسلحة على أرض دارفور في وقت واحد؟!. هل كان الجيش السوداني غائباً عن الإقليم قبل إرسال قوات الاغتصاب هذي؟! كلا.. إن إرسالها أصلاً كان بزعم أن الجيش يرتكب الجرائم ضد المدنيين. وها هي الآن البعثة التي جاءت بحجة أن تحمي المدنيين من اعتداءات الجيش تطلب من الحكومة السودانية أن يحميها هذا الجيش. إذن كيف ستحمي هي المدنيين من قوات تطلب هي أن تحميها؟! ترى حسب هذا الزعم هل ستستطيع أن تحمي المدنيين؟! إن الأزرق يقول بوضوح إن لديهم وثيقة تطلب فيها بعثة اليوناميد أن تقوم القوات المسلحة بحماية معسكرهم.. حماية معسكرهم من من؟! من المتمردين وعصابات النهب المسلح؟! والبعثة تحمي من وتراقب من وهي ترتكب الجرائم؟! وحتى إذا كانت القوات المسلحة قبل مجيء البعثة تفعل كما فعلته هي بعد أن حوّلت معسكراتها الى ما يشبه سجن «أبو غريب» العراقي تحت السلطة الأمريكية الشيعية، فإذن لا يمكن أن تكون البعثة قوات أمينة على المدنيين وهي تطلب الحماية من الذين يتهمهم مجلس الأمن ويصدر ضدهم أوكامبو مذكرات الاتهام،. كل شيء أصبح مفضوحاً، وكل المصائب والجرائم في دارفور جاءت بعد إرسال البعثة التي فتح لها الطريق التمرد هناك. والآن يمضي وقت تنفيذ إستراتيجية الخروج في العد التنازلي، فالمتمردون يحاربون بعضهم. لقد فشل مشروع التمرد تماماً، واليوناميد يرتكبون الجرائم ضد المدنيين ويطلبون الحماية من الحكومة، لقد انفضح أمرهم، والآن إما إستراتيجية الخروج وإما إخراجهم بالخوف من عصابات النهب المسلح.
الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة