* شنّ مطرب معروف في خواتيم ثمانينيات القرن المنصرم هجوماً عنيفاً على فنان أفريقيا الراحل محمد وردي الذي كان يتولى رئاسة اتحاد الفنانين آنذاك.. لم يترك المطرب (جنبة لوردي يرقد عليها).. أقل ما قاله عن (أبو الورود) أنه مغرور لا يرى في الكون أحداً سواه.. هاجمه في غنائه لنميري، وقال لو إن وردي يمتلك وعياً سياسياً لما سبح بحمد الطاغية، ثم عاد لهجائه بعد فوات الأوان.. تطرق لمشكلة وردي مع إسماعيل حسن والألقاب التي يطلقها على زملائه الفنانين، وختم هجومه المدبب ذاك بأن كل ما قاله يمثل رأيه الخاص في وردي (وهو بالطبع حر في رأيه) .!!
* جاء وردي لدار اتحاد الفنانين في مساء ذات اليوم الذي سير فيه المطرب جيش هجومه الجرار، فإذا بأحد الموسيقيين يقول لوردي معلقاً: (والله يا أستاذ قرينا الكلام قبيل لكن حقيقة الزول دا غلطان في كلامو دا)، وبسخريته المعروفة رد وردي والابتسامة تسبق حروفه: (يا جماعة الزول دا قال دا رأيو.. وطالما دا رأيو معناها هو ما غلطان.. غلطان الصحافي البسألو لأنو الزي الزول دا ما عندو رأي).!!
* وإذا سألت من ليست لديه وجهة نظر عن رأيه، فبغض النظر عن إجابته فهو حتماً ليس بمخطئ، والخطأ يتحمله كاملاً (طارح السؤال) لا (صاحب الإجابة) .!!
* والحكومة التي تملأ الصحف هذه الأيام بالهجوم على الأمين العام للحركة الشعبية شمال ياسر عرمان هي المخطئة، لأنها عبر (جلسات تفاوض ممتد) هي من أكدت أحقية عرمان بالحديث، وبعد الآن بغض النظر عما قاله وسيقوله فـ(عرمان ما غلطان) .!!
* ليس مهماً الأمر الذي تجلس للتفاوض عليه، بقدر ما أنه ينبغي أن تهتم كثيراً بمن هو الذي تجلس لمفاوضاته .!!
* كم من أمر عظيم فقد قيمته، لأن الجالس أمامك للحوار أفرغ (الموضوع المتفاوض عليه من قيمته، وجرك لمناوشات فارغة أصبحت الأعلى صوتاً)، لذا فإن عمداء الأسر الكبيرة و(أصحاب الرأي والمشورة) في (البيوت العريقة) يبعدون بعض الأسماء المعروفة بـ(التهريج واللت والعجن والمآرب واللف والدوران) عن مجالس (حل المشاكل والجوديات)، التي بالطبع يراها الكثيرون لا ترقى لمستوى المقارنة بما يدور في قاعات (المحاصصة والترضية واللعب بكل الأوراق وتسريب الأجندات والابتزاز وسرقة هموم الغبش والمماحكات) المسماه سياسياً (مفاوضات).!!
* عدم جدية المفاوضين في (الحركة الشعبية شمال) ظهرت جليا يوم قدموا عرمان ممثلا لهم – وتنازل الحكومة الذي سيدفع ثمنه أهل جنوب كردفان والنيل الأزرق قريباً جداً – بدأ عندما قبل وفد الحكومة الرفيع بالجلوس مع عرمان .!!
* أعطت الحكومة عرمان (شرعية التفاوض)، فتمدد حد المطالبة بإعطاء المنطقتين (حكماً ذاتياً) .!!
* أعتقد أنه يجب أن تضع الحكومة (الخصوصية الثقافية) التي تحدث عنها عرمان في حساباتها، لأن هذه الخصوصية هي المخرج من كل مأزق طالما أنها تمنح ابن الجزيرة حق الحديث عن مصير أهالي النيل الأزرق، و(لتتشظى البلد من بعد ذلك بفضل الأجندات شبراً شبراً، فمن نفض ثوبه عن جسده لن يهمه كثيراً إن بقي متماسك الخيوط أو اهترى وتمزق).!!
* طالما أن الحكومة ارتضت الجلوس مع عرمان – بوفد رفيع جداً يتقدمه مساعد الرئيس – في مفاوضات حول المنطقتين، فعليها أن تقبل كل ما يقوله الرجل الآن – بوصفه ندها التفاوضي – فبعد أن منحته (شرعية الحديث) بقبوله (مفاوضاً) لم يعد مهماً (ماذا يقول)، فالعالم الآن يتعامل مع (شرعية من يقول)، فالهم وفق المعطيات الراهنة بات واحداً، والقضية مشتركة، و(التصريحات ما فارقة طالما أن الكتوف بقت متلاحقة) .!!
* الخلاصة: (عرمان ما غلطان، غلطان القعد وخت مصير البلد في تربيزة عرمان، وكان الله في عون السودان).!!
نفس أخير:
* العودة لـ(المنهج القديم) لا تمثل الرأي السديد.. وقصة (منقو لا عاش من يفصلنا) تطل من جديد .!!
[/JUSTIFY]ضد التيار – صحيفة اليوم التالي