دعوني أبدأ من هناك.. لم يكن الإخوان المسلمون في دولة المنشأ مصر يحفلون بتجربة الإسلاميين السودانيين التي سبقتهم إلى منصات الحكم.. وذلك منذ وثبتها على خيل السلطة في العام 1989.. وإلا هل تحفظ ذاكرتكم أي سند مادي أو معنوي قدمته الجماعة في مصر للتجربة الإسلامية السودانية في كل مراحلها.. شهدت لقاءات إعلامية عديدة لإسلاميين مصريين محسوبين على الجماعة من أمثال العوا وغيرهم.. وهم يبخلون حتى بكلمة واحدة مفيدة في حق تجربة إخوانهم السودانيين وهم يومئذ محاصرون من الجهات الأربعة وأحوج ما يكونون إليها.. لكنهم لم يبذلوها بسخاء أو حتى بغير سخاء.. بل كانت كل إشاراتهم تجاه السودان دائما سالبة بل موغلة في السلبية.. وتندهش حقيقة لهذا الموقف الإخواني المصري المسبق تجاه كل اجتهادات السودانيين.. ألم تكن من كل تلك المقاربات والاجتهادات تجربة واحدة تستحق التوقف عندها؟ لا في مواكب الشهداء على صدر صيف العبور ولا سيوف الحق وصولا إلى الميل أربعين.. فضلا عن بقية التجارب في مجال الصيرفة الإسلامية ودواوين الزكاة وغيرها كثير و.. و.. فهم لم يعترفوا لإخوانهم السودانيين بأي فضل أو سبق مثلهم مثل النخب المصرية الأخرى.. التي لا تحفل بأي عبقرية في هذه الحديقة الخلفية التي مطلوب منها عبر التاريخ فقط أن تحفظ الأمن المائي لمصر.. وأن تجعل عقلها يذهب في إجازة مفتوحة.. ولو كان هنالك تنزيل لدولة إسلامية في هذا العصر، فيفترض أن يكون على يديهم.. فالتاريخ يعيد نفسه.. وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ.. !!
لهذا لما أتاحت ثورة 17 فبراير للإخوان الدخول إلى مسرح الأحداث ومن ثم إحرازهم أغلبية برلمانية قد بدأوا من الصفر في بناء دولتهم الإسلامية المفترضة.. على افتراض ليس هنالك من سبقهم بأي جهد واجتهاد بما في ذلك تجربة الإسلاميين السودانيين التي هي برؤيتهم خارج النص والسياق والتاريخ !!
ربما كانوا يرون أن التجربة السودانية قد نهضت على خطأ وما بُني على خطأ فهو خطأ.. على أن خطيئة الإخوان السودانيين أنهم قد فارقوا التنظيم الدولي وانقلبوا عليه منذ عقود بأكملها.. على الأقل الجناح الإسلامي الجماهيري الذي يقوده الدكتور الترابي.. ولقد أنفق إخوان السودان نصائح غالية لإخوانهم المنتشين يومئذٍ بالنصر الانتخابي البرلماني.. نصائح غالية جدا حتى دون أن تطلب منهم.. على ألا يقدم الإخوان هناك مرشحا لرئاسة الجمهورية.. كأن يدعموا ترشيح العروبي الناصري السيد حمدين صباحي للرئاسة.. الوصفة السودانية السحرية التي أنقذت إخوان تونس من الدخول إلى محاكم التاريخ وأتون سجون الدولة العميقة.. غير أن إخوان المرشد بديع فيما يبدو لم يتفحصوا الوصفة بقدر ما تصفحوا صحائف من يقف وراء الوصفة.. إنهم الإخوان السودانيون الذين إن كان لهم فضل وصفة أو حكمة لكانوا هم أهلها وأحق بها و.. و.. وربما أيضا دواعي الغيرة إذ كيف لرعاة الضأن في السودان أن يستبقوا دولة المنشأ دولة الشهيد حسن البنا وسيد قطب وحسن الهضيبي وإخوانهم العمالقة.. كيف لرعاة الضأن في السودان أن يتطاولوا في بنيان الأفكار، وكيف تعلم الأمة ربتها !!
ولك أن تندهش كيف كان أداء النسخة الأصلية للإخوان المسلمين في دولة المقر والمنشأ.. أعترف لي يومئذ أحد اليساريين السودانيين.. بأن أفضل كادر إخواني مصري هو أقل من علي عثمان محمد طه بمائة سنة ضوئية !!
للذين يقرأون بتطرف.. لابد من مراجعة قراءة التاريخ والتجارب بغرض الاستفادة والتصويت.. على أن الإسلاميين في كل الأمصار هم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم.. لأن الخسارة كانت باهظة جدا.. فعلى أثر كل ضربة غير محسوبة الخطوات يحتاج الإخوان في مصر لنصف قرن من الزمان ليتشكلوا من جديد.. ولا نملك في خاتمة المطاف إلا فضيلة الدعاء بأن يفرج الله كربتهم ويجعلهم يستفيدون من تجاربهم وتجارب الآخرين.. آمين يارب العالمين..
[/JUSTIFY] أبشر الماحي الصائمملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]