مطالبة الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال ياسر عرمان بحكم ذاتي لجنوب كردفان والنيل الأزرق تعبر عن حالة من التخبط والتناقض البائن بين موقفهم المتمسك طوال تلك الفترة الماضية بمعالجة قضية المنطقتين في إطار حل شامل للقضايا القومية الأخرى وبين اعتبار المنطقتين ذواتي خصوصية عرقية أو ثقافية أو دينية لدرجة المطالبة بحكم ذاتي..
والحكم الذاتي هو نظام متأخر جداً عن الحكم الفيدرالي المطبق الآن حتى ولو سلمنا بوجود أخطاء في التطبيق، حيث أن الحكم الفيدرالي – نظرياً – هو الأكثر تقدماً والأكثر نجاحا على مستوى التطبيق في العالم من الحكم الذاتي الذي ارتبطت تجاربه تأريخياً بالعهود الاستعمارية حيث بدأ في البروز كمفهوم عندما قررت الدول الاستعمارية التخلص من المركزية في إدارة مستعمراتها مع الاحتفاظ بوجودها كمستعمرات فطبقت هذا النظام ومنحتهم الحكم الذاتي الذي لا يختلف كثيراً عن الاستقلال الكامل.. لأنه يفقد الدولة الشخصية الدولية بحكم اختلاف النظم والقوانين وربما السياسات الخارجية نفسها كما حدث في الكثير من تجارب الحكم الذاتي.. ولذلك نقول إن الحكم الفيدرالي الذي يمنح الولايات شكلا من أشكال الحكم لنفسها بجعل السلطات مقسمة بين حكومة مركزية أو حكومة فيدرالية أو اتحادية ووحدات حكومية أصغر هي الأقاليم أو الولايات، مع الاحتفاظ بكيان الدولة ودستورها وقوانينها وسياساتها العامة الداخلية والخارجية موحدة.
الحكم الذاتي في السودان وحسب الحالة القائمة في مناطق الأزمات لا يطالب به من يريد إصلاحاً للجزء العليل في إطار الكل العام، ولا يطالب به من يريد الدفاع عن حقوق مهضومة في منطقة ما بسبب سوء توزيع في الثروة والسلطة أو ما يسمى بالتهميش لأن التهميش مصطلح يطلقه من يطالب بالاهتمام العادل وليس الانفصال الباطل وتفتيت البلد.
منح الحكم الذاتي بمعناه الكامل لأي منطقة بعد حالة من الحرب والتمرد يعني التمهيد والاستعداد للمطالبة الحتمية عاجلا وليس آجلا ًبالانفصال.. ومثلما قلنا إن مصطلح الحكم الذاتي كان قد انتعش وارتبط بالعهود الاستعمارية فإن الحالة التي تعقبه مباشرة كانت هي حالة الاستقلال أو الانفصال.
عرمان إما أن تكون قد ضاعت عليه البوصلة وفقد المنطق أو يكون الرجل فعلا يهتدي بمنفستو وأجندات خارجية لإتمام مشروع التقسيم (بالمقاولة)..!
انفصال الجنوب لا يعني وجود فرصة مستمرة لتفتيت ما تبقى من السودان.. وبتر أحد أطراف الجسد الواحد نعم هو أمر محزن لكنه لا يعني الموت.. أو الانتحار بعده.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
[/JUSTIFY]جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي