لم يعد أمر تعيين الولاة بقرار رئاسي محل خلاف، إذ أن المنطق القويم، وبعد التجربة المريرة التي صاحبت انتخاب بعض الولاة، وفق ثقلهم القبلي في ولاياتهم، أو بروز النعرات القبلية والجهوية بعد انتخاب البعض، ثم ظهور الممارسات المسيئة لتجربة الحكم الفيدرالي واللامركزي، وقيام بعض الأساليب الفاسدة محل التنافس الشريف، في التجربة الشورية الأخيرة التي تدفع بعدد من المرشحين لمنصب الوالي في كل ولاية إلى المكتب القيادي للحزب الحاكم الذي يرشح ثلاثة من قائمة الخمسة ليختار من بينهم رئيس الجمهورية المنتخب مرشحاً واحداً يخوض به الحزب الانتخابات العامة في أبريل المقبل.. بعد كل ذلك لم يعد هناك مفر من منح السلطة للسيد رئيس الجمهورية لاختيار الولاة وتعيينهم ليس رجوعاً أو انتكاساً عن تجربة الانتخاب، بل تصحيح لممارسات وأخطاء كادت أن تطيح بأمن واستقرار الكثير من الولايات، وما أمر الذي يحدث في تلك الولايات ببعيد، وقد وصل الأمر ببعض المتطلعين إلى السلطة أو المنافسين عليها، أن يخرجوا على سلطان الدولة ممثلة في الوالي (المنتخب) وأن يشهروا السلاح في وجه القوات النظامية، في بادرة سيئة لا تنم إلا عن سوء أدب سياسي، وعدم احترام للدستور والقوانين المنظمة لأداء مؤسسات الدولة، وتهجم غير مبرر على المؤسسات الخدمية والاقتصادية والأمنية دون معرفة أو وعي بمغبة ما ينتج عن تلك التصرفات الصبيانية التي إن دلت على شيء فهي تدل على أن الكثيرين ما زالوا يعيشون مراهقة سياسية تجعلهم يسعون للفوز بما تهوى أنفسهم بكل الطرق والوسائل، استناداً على أخطر المباديء الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة).
لا نتوقع أن يمر مقترح التعديل بشأن تعيين الولاة، مرور الكرام رغم شبه الإجماع على أهميته، فهناك من ينتظر هذه اللحظة من داخل الحزب الحاكم نفسه إن تخطته التعيينات، ليخالف ويعارض ويتهم الرئيس والبرلمان وقيادات الحزب الحاكم يتكريس ديكتاتورية الرئيس والنظام، من خلال وضع كل السلطات في يده، وستتخذ المعارضة الكسولة ذلك في محاولة إيقاظ خلاياها النائمة والتي شبعت نوماً، لتقول إن أهل النظام يعترفون بتكريس السلطة في يد الرئيس، وإنهم – أي المعارضة – لن يضعوا أيديهم في أيدي محتكري السلطة ومصادري حقوق المواطن في اختيار من يحكمه في ولايته.
على البرلمان والحكومة وكل منظمات المجتمع المدني في بلادنا، دعم هذا الاتجاه الذي يؤدي إلى تعيين الولاة، فقد تعبنا من أحلام البعض الشخصية التي تدمر المواطن وتحرق الأرض دون أن يطرف لها جفن.
وليت بلادنا عادت – كما ينادي بذلك شيخ العرب «أبو كلابيش» إلى الحكم المركزي الذي يقسم البلاد إلى ست ولايات – هي المديريات الشمالية القديمة – بعيداً عن (هيصة) الولاة والحكومات الولائية والمعتمديات والمجالس التشريعية الولائية، وما يتبعها من تكاليف باهظة يدفعها هذا الشعب الصابر، ولا يجد مقابلها ما يساعده في العيش الكريم.
أو ليت قراراً صدر بأن يكون العمل السياسي والدستوري والبرلماني (تطوعاً) في سبيل الله من أجل خدمة الوطن.. وإذا حدث ذلك فإن سوق السياسة ستخلو تماماً، ولن تجد إلا من رحم ربي يسعى لخدمة الوطن.. والناس.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]