ليست القَبَليّة وحدها

[JUSTIFY]
ليست القَبَليّة وحدها

فتح ملف الحكم وبتلك الصورة الإشارة لحديث رئيس الجمهورية في فاتحة مؤتمر الحزب الرابع في سياق الاعتراف بالإخفاق ثم أمام البرلمان- ينبغي أن لا يغلق، لأن هذا الحكم الاتحادي المطبق قد أضرّ بالبلاد ضررا بليغا يحتاج لزمن ومال وجهد، حتى يمكن التعافي منها هذا بافتراض أن هناك نية حقيقية وصادقة للخروج من هذا المأزق، لأن أصحاب المصالح الخاصة لم يخلدوا للنوم، وما زالت لديهم القدرة على إبصار مصالحهم، ومن على بعد ألف ميل، وما زالت حناجرهم طرية.
من أهم وأخطر عيوب الحكم اللامركزي، هو تبديده للمال في شكل إنشاءات ووظائف دستورية، وما يلزمها من امتيازات، وتكفي الإشارة هنا إلى أنه باستثناء ولاية الخرطوم؛ فكل الولايات تنتظر الدعم من المركز شهريا وصلاحيات الحاكم الكبيرة بموجب الدستور، ومع انعدام الضوابط كان اللعب بالأموال على أشده (ما في داعي للكلمة المكررة ديك)، ولعل هذه الأموال السائبة هي التي جعلت الأفراد يقتتلون على المناصب الدستورية ويستخدمون كل أسلحتهم، وعلى رأس تلك الأسلحة القَبَليّة الأمر الذي ساعد في زيادة سرعة دوران الدائرة الجهنمية التي تدور فيها القَبَليّة.
بروفسير غندور مساعد رئيس الجمهورية والذي كان أول الرسميين الذين نبّهوا لخطورة القَبَليّة التي على الحكم اللامركزي، وفي لقاء تلفزيوني حاول أن يوجد للحكم اللامركزي بعض الفوائد، بعد أن وافق على عيوبه، فأشار للخدمات التي تمت في الولايات من مدارس ومستشفيات وطرق، ولكن الواقع يقول إن الأموال التي صرفت على مؤسسات وأفراد الحكم اللامركزي لو كانت صرفت على الخدمات لتضاعف عددها، فعلى العكس تماما، فذلك الحكم بدد الأموال وأضر بالخدمات.
نحمد للبروف أنه لم يقل إن الحكم الفيدرالي قد زاد الإنتاج، لأن الواقع يقول إنه أعاق الإنتاج بكثرة الضرائب والأتاوت لمقابلة متطلبات الوظائف والحقوق الدستورية، والأهم من كل ذلك أن السادة الولاة إلا من رحم ربي أعاقوا الاستثمار المحلي والأجنبي لأنهم كانوا يقومون بابتزاز واضح كما صرّح بذلك الكثير من المستثمرين الأجانب، وأحياناً يصرون على قيام المشروعات في مناطق أهلهم وعشائرهم دون مراعاة للجدوى الاقتصادية للمشروع.
الإنقاذ هي المسؤول الأول والأخير عن فشل تجربة الحكم اللامركزي، لأن الشكل المطبق حالياً من صناعتها بنسبة مائة بالمائة. نعم كانت هناك لامركزية قبلها، ولكنها كانت مرشّدة وقائمة على أقاليم كبيرة تسعة أقاليم قبل الانفصال وهذا يعني أنه ينبغي أن تكون هناك ستة أقاليم فقط، بدلا عن هذا العدد الهائل لم نذكره لأننا أصبحنا كل يوم أمام ولاية جديدة والساقية لسه مدورة وللأسف أصبحت الولايات مفصّلة على القبائل، وبعد كل هذا هل يحق للإنقاذ أن تشكو من القَبَليّة؟ إن الأقاليم الكبيرة لها القدرة على تذويب القَبَليّة داخلها، أما الصغيرة فقد أبرزتها وجعلتها تشكر على أنيابها.
الإنقاذ كحكومة ومركز، وعن طريق حزبها، كانت وما زالت مسيطرة على كل شيء، فكيف فشلت في الإتيان بولاة أقوياء ومقتدرين؟ إنها لعبة القطبية والشللية داخل النظام، فأي قطب من أقطاب الحزب يريد أن يولّي حلفاءه والمقربين منه لكي ينافس بهم على السيطرة على الأمور، فلو تجرد قادة الإنقاذ في اختيار الولاة لكان الأمر مختلفا بعض الشيء، ولكن للأسف هذا لم يحدث، فالقول إن الانتخابات المباشرة هي التي أتت بالولاة هذا الكلام صحيح من ناحية شكلية ونظرية، أما الواقع فهو غير ذلك، والشرح الكثير يفسد المعنى.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]

Exit mobile version