تابعنا بكثير من الرضا والتلمَذة الحوار الحي الذي أجراه الزميل، الدكتور، خالد التجاني مع رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد، والذي نشر بعد زيارته للسودان بصحيفة السوداني الغراء .. أسئلة مواكبة وعميقة، وإجابات قوية ومسئولة .. ثم ليس أفضل من خاتمة الحوار التي تضمنت حديث المُحاوَرعن وجوب إعادة النظر في فهم تعاليم الإسلام وفق مقاصده الحقيقية، وليس وفقاً لبعض التصورات المحدودة .. فالإسلام لا تستوقفه الشكلانية بقدر ما يحتفي بالمضامين ..!
وعند هذا الفهم المتقدم يلتقي مهاتير الماليزي بأردوغان التركي الذي يقول (إنه مسلم – أي نعم -لكنه رئيس دولة علمانية يدعو المسلمين العرب إلى مبادئ الدولة المدنية) .. فالعلمانية الحديثة بحسب كليهما – ليست معادلة رياضية بل مفهوم اجتماعي يعول في نهوضه على خصوصية كل شعب، ويحافظ على مسافة مقدرة متساوية مع جميع الأديان .. حيث يتم فصل سياسة الدولة عن معتقدات الحكام وليس “فصل الدين عن الحياة،” كما يردد معظم المتشددين ..!
الصحافة السودانية قدمت للسيد مهاتير باحتفائيات داوية على غرار (صانع المعجزة الماليزية)، وهو كلام صحيح، لولا أنه غير دقيق، ولكن لا تثريب على صحافتنا، فالتاريخ السياسي للمجتمعات العربـ سلامية يدور في مجمله حول نجومية الأفراد وكاريزما الشخصيات القيادية، في ظل غياب المؤسسات السياسية ، وتاريخ الشعوب العربية مع مقاومة الاستعمار حافل بحكايات الأبطال المخلصين الذين قادوا ثورات الإصلاح والتجديد السياسي لكن معظمهم وقفوا حائرين عند منعطف النهضة الاقتصادية لأنها ببساطة – عمل استراتيجي، جماعي، لا يحتمل بطولات مسرح الرجل الواحد، على العكس تماماً من تاريخ التجربة الماليزية التي لعب فيها مهاتير محمد دور حامل الشعلة وليس مشعلها لكنه القائد الأكثر حرصاً على تسليمها وهي أكثر اشتعالاً ..!
فالرجل وإن حجر زاوية، وواسطة عقد، وزعيم أمة (انتقلت بلاده في عهده من دولة زراعية فقيرة إلى دولة صناعية يشار إليها بالبنان) إلا أنه ليس بطلاً مخلصاً أو صانع معجزات بالمعني – العربـ سلامي المفهوم ..!
فتاريخ ماليزيا منذ استقلالها يؤرخ للبنات قوية قامت على أساسها نهضة اقتصادية، والتطور الكبير حدث في عهد مهاتير كان بفضل سياساته الحكيمة والذكية أي نعم إلا أن نجاحه لم يكن ليتحقق لولا وجود بيئة مهيئة، ولم يكن ليستمر لو لم ينهض على تأسيس ما يضمن بقاءه من بعد ذهاب مهاتير ومجيء غيره ..!
التجربة الماليزية أصبحت مثالاً يحتذى بفضل التخطيط الاستراتيجي، وثقافة تسلم شعلة الإصلاح وتسليمها بعدالة وشفافية ومسئولية .. الأمر الذي نفتقده بطبيعة الحال – (حيث يتحاشى حكامنا – وأبطالنا المخلصون – الخطط الاقتصادية بعيدة المدى، ويشجعون المشاريع التي يسهل قص شرائطها الملونة بأيديهم!)، فيؤدون بذلك أدوار البطولة في “مسرح الرجل الواحد”.. أما مهاتير محمد فقد كان “حامل شعلة”، والسر في تتويجه بطلاً هو دوره الكبير في تعاظم اشتعالها ..!
(أرشيف الكاتبة)
[/JUSTIFY]
الكاتبة : منى أبوزيد
[email]munaabuzaid2@gmail.com[/email]