تفاصيل رحلتي من مطار الخرطوم إلى طواف الإفاضة وحصولي على لقب (حاجة)
نادى المنادي واستجابت له روحي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك ..وسرت في أوصالي رعشة محب، يلتمس خطاه للتقرب لرب البيت العتيق .. وطالما هطلت الدموع واشتقت لرؤيته .. تعجبت من رؤية الدهشة والاستغراب والتساؤلات من الزملاء والأصدقاء الذين كانو يسألوني على الدوام: (تحجي من هسع ليه الحاصل شنو)؟ وأنت في هذاالسن الصغير وأمامك الكثير ولقب (حاجة) لسع بدري عليك!! اذهبي للسياحة في القاهرة أو أبوظبي …الخ . وكنت أجيبهم: اللقب ليس بالجديد علي فقد أطلقه علي عمي (إسماعيل) رحمه الله، وحقاً لدي رغبة عارمة لمعرفة الكثير عن تلك الأماكن المقدسة ورؤية(البيت) بيت الله، الذي عمرته ملائكة الرحمن ويعتبر مركز الأرض..عقدت العزم أنا وشقيقي وقمت بتقديم أوراقي للسفارة السعودية، وزادني تشريفاً منحي التأشيرة مجانية بدون أية رسوم، وكإجراء تنظيمي طلبوا عقداً من وكالة سفر، ودفع رسوم شيك الوكالة الموحدة (1029) ريال سعودي، وقمت بالإجراء المطلوب مع البنك ولكن ما حدث مع الوكالة كان بداية الرحلة إلى دخول دهاليز الجشع والطمع، وابتزاز مشاعر الحجاج لاستغلالهم مادياً.. وكله بالقانون، والسوق مفتوح كما يقولون.. وللأسف فإن الوزارات والهيئات المعنية تغض الطرف عما يحدث.. وكالات لعب على المكشوف.. توجهت إلى وكالة (…) بالسوق العربي والتقيت مالكها ومديرها وطبعاً(بالواسطة) وأخبرته بما تم إجراؤه ورغبت في تكملة الإجراءات من حجز وسكن وخلافه عبرهم، فبادرني على الفور بلهجة تنم عن الجشع، يطلب بمبلغ (8) ملايين جنيه، فأخبرته بأنه لم يتبق لي سوى التذاكر، وبعض الإجراءات من طرفهم، فعقد حاجبه وأطلّ شيطان الاستغلال من نظراته وهو يقول: نحن التعاقد معانا سعره كده، فلفت نظره بأني حاصلة على التأشيرة، ودفعت شيك الوكالة الموحد، فأجابني مرة أخرى وباستفزاز:(الحج لمن استطاع إليه سبيلا، وإنت إذا ما عندك استطاعة، عاوزة تحجي ليه؟ ودي قروشنا)، فحمدت الله وذكرت له أن الاستطاعة تشمل الصحة والمال،(وهذه قدرتي) ثم إن هذا ليس مبرراً لأن يرفع التكلفة لهذا المبلغ الكبير، فأجابني بلؤم: يكفي أني حاسكنك وارحلك وخدماتي مميزة وده سعري، وما حا أتنازل عن مليم أحمر ، وده سعر السوق!! ويكفينا الرسوم البندفعها لي ناس السياحة والهيئة -الهيئة العامة للحج والعمرة- والخ. شرعت بالتوجه نحو الباب وكنت قدعقدت العزم على إكمال الإجراءات بدون الاستعانه بأية جهة تبتزني، وكعادتي في مثل تلك اللحظات توجهت إلى الله أن يجعل العسر يسراً، بحمد الله أكملت ما تبقى من إجراءات في لمح البصر، مع إحدى الوكالات بمبلغ (650) جنيه، وعندما سألتهم ممكن عرف ما هي الخدمات والتسهيلات التي يقدمونها قصاد هذا المبلغ ذكروا بأنها تشمل مبلغ(425) جنيه للهيئة العامة للحج والعمرة، و(100) جنيه لوزارة السياحة، و(40) جنيه رسوم تأشيرة الخروج، وباقي المبلغ أتعاب للوكالة، وسألته الهيئة عرفناها، لكن السياحة لماذا يتم استقطاع هذا المبلغ لها؟ وما الذي تقدمه للحاج؟ وأخيراً أنا لست ذاهبة إلى شرم الشيخ أو الأسكندرية، أو فسحة، وأود أداء فرض ديني شرعي.
القمسيون الطبي
وحكايات من نوع آخر..
أطلّ الوجه الآخر للمعاناة داخل القمسيون الطبي وكانت الصفوف والتكدس للحجاج، وتعالت أصوات الغضب والاحتجاج على الخدمات غير المواكبة للتطور وهذه الأعداد الكبيرة وأعداد الأطباء المحدودة، وعدم وجود أماكن انتظار.
فقد توقف الحاج أحمد متكئاً على عصاه يصب جام غضبه علي الإدارة الفاشلة، وكما وصفها قائلاً يتكرر هذا المشهد سنوياً، فلماذا لا تكون هناك مواكبة وتحديثات لخدمة الحاج، وأكد أنه متواجد بالقمسيون(من دقش الرحمن)، وكانت الساعة تشير الي الواحدة والنصف ظهراً عندما التقيناه، وحكى عن مشكلته فهو قد فقد الكارت الصحي الخاص به، وقال: (أنتظر المدير ليحل لي مشكلتي فقد عجز الموظفون عن حلها لي في صمت المغلوب على أمره، قال بصوت خفيض: الحل عندي استخرج كارت جديد ودفع رسوم أخرى -كروت مضروبة، وأشياء أخرى.. في خضم المشاكل التي كان يعج بها المكان، طلبت من المرافقين لي حفظ دوري في الصف السلحفائي، ريثما أتاكد من وجود المدير لأسأله ولم أجده. لفت نظري دخول أحد الحجاج، وعيناه تدوران في المكان ويعاني من التوهان، واستوقفني ليسألني عن مكتب المدير، إذ من المفترض أن يغادر صبيحة اليوم التالي، فقد باعته إحدى الوكالات بالسوق العربي – خلف الجامع الكبير- رفض الإفصاح عنها بادئ الأمر، بحجة أنه مسافر وما عاوز مشاكل، باعته كارتاً مضروباً.
وحسب مصادر (آخر لحظة) فإن هنالك عدداً من وكالات السماسرة ينتشرون بالقرب من القمسيون يبيعون الكروت المضروبة، حصلت الصحيفة على إحداها وقد تم استخراج الكارت بمبلغ (150) جنيه، تدفع كاش وفوراً، وعندما سألت السماسرة عن الضمان، أكدوا لي أنه من مستشفى كبير، وأنهم معروفون في السوق ولا يقتصر عملهم على استخراج الكروت الصحية فقط، بل يشمل شهادات التسنين والميلاد !!. من جانب آخر انتقد الحاج الصادق الوضع بالقمسيون ومحدودية عدد الأطباء، قائلاً: لا يمكن وضع (5) أطباء فقط مقابل (18) آلاف حاج، ناهيك عن انقطاع الأمصال والفواتير وإيصالات النقود والكروت التي تتسبب في تأخير الحجاج وتعطيلهم ليوم، وربما يومين.
بداية التلبية ..
وفي عناق حار احتضنتنا الأراضي المقدسة صبيحة الثاني من ذي الحجة، وكانت التلبية والدهشة وأروع المشاهد وأجملها: زينة بيت الله الحرام، والطفرة العمرانية، والأبراج، والتوسعات للحرمين، وجسر الجمرات، كلها جعلت من الحج بحق رحلة سياحية وسط الأجواء الملبدة بالغيوم ورذاذ المطر والرحمة تحف المكان، وسط إجراءات تنظيمية دقيقة، أقلتنا البصات السياحية المكيفة إلى (مكة) مع المجموعة (131) فرادى، شمال الجزيرة العربية، وكان الإخوه السعوديون العاملون بغاية الانضباط، والتعامل الرائع وفي خدمة ضيوف الرحمن، وأدوا عملهم بحسب التوجيهات بدقة وفي يوم الترحيل إلى منى حضرنا باكراً ومعي أخوات حجتي (الأستاذة إيمان دفع الله، والمهندسة خديجة عوض، ووالدتها الفاضلة الزينة مصطفى، والخالة ماريا يس، والأستاذة سيدة محمد أحمد) ونزلنا في المخيم في أعلى الجبل وكان الوقت عصراً وفي أقل من لمح البصر ازدانت الجبال المحيطة بالمكان بالسحب والغمام، وكانت الهيبة والتجلي والخشوع وبكت السماء، وفاضت المآقي، وتعالت الحناجر بالذكر والتهليل، صور زاهية ومواقف سجلتها الكشافة السعودية.
شهدت منطقة منى حالات كثيرة من التائهين من جميع الجنسيات ولعبت الكشافة السعودية دوراً مهماً في خدمة ضيوف الرحمن وأسهمت المراكز المنتشرة في مساعدة الكثيرين للعودة لمخيماتهم من خلال الخرائط الكنتورية للمنطقة سيراً على الأقدام ومن خلال الكراسي المخصصة للمرضي ليلاً ونهاراً. وكانوا بدماثة أخلاقهم وسهرهم يجسدون اهتمام خادم الحرمين الشريفين.
مآسي وحكاوي
الحجيج السوداني..
تعددت فصول الحكايات وتنوعت الروايات فهناك الكثير من الحجاج الذين دفعوا الغالي والرخيص للتمتع بالحج والتقيتهم بمنى ومكة وعرفات وللأسف الشديد كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء على القائمين بالأمر وعلى أعلى المستويات وكانت فلسفتهم قائمة على (الشكوى لغير الله مذلة) ولعل ما حدث مع أبناء النيل الأبيض يعكس ذلك وطلبوا مني نشر قصتهم كاملة دون حذف بعد العودة من منى، التقيتهم بمقر إقامتهم ولخصوا مشكلتهم في: ازدحام السكن، وعدم توفير الترحيل، وتردي البيئة، لانتشار النزلات، رغم أنهم ما قصروا، ودفعوا مبالغ كبيرة لضمان راحتهم وكبار السن على وجه الخصوص.. وكشف الحاج علاء الدين عن ازدحام المكان ووجود حمامين لما يقرب(40) حاجاً، وأحدهما معطل وقد اضطر أحد الحجاج وهو كبير في السن ويعاني من مرض السكري للتبول بالمغسلة، لحظة صلاة الصبح، وانتظار الدور للدخول إلى الحمام، وقال علاء السراير (مرصوصة) بصور ة تعيق الحركة، وسألته مقاطعة: لماذا لم تتصل بالجهات المعنية لإصلاح الأمور؟ فقال لي: بحضور الجميع اشتكينا لوزارة الحج السعودية، الذين بادروا بالاتصال بمندوب البعثة والمطوف، لحظتها وعدنا بحل المشكلة فوراً وللأسف لم يتم حلها حتى اللحظة ونحن سنغادر بعد أيام قلائل وقد حمل مسؤولو الوزارة المسؤولية لبعثة الحج السودانية لأنهم قاموا بالاستئجار والسكن وأخبروا الحجاج بذلك، وكان مندوب البعثة قد طلب منا التنازل عن الشكوى، ودرءاً للمشاكل، لأننا حجاج ما عايزين تعقيدات وكعادة السودانين في مثل هذه المواقف وقعنا وتنازلنا عن الشكوى، ولم يتم حلها، ولم يرجع إلينا المندوب مرة أخرى؟؟ وبادر عارف عباس بالحديث، وقال: (الجمرة بتحرق الواطيها) هل يعقل تكدس(11) شخصاً في غرفة مساحتها(5*4) ودون منافذ تهوية وحمل (1200) في أربعة بصات غير مكيفة؟ ويحمل عباس البعثة مسؤولية ما يحدث، ويقول: أخبرنا مدير البعثة بوجود (4) بصات للعجزة والنساء والمرضى، وعندما احتجينا على الوضع، وقال: الماعاجبو يمشي على نفقته، والباقي على سطح البص وعلق الحاج رشدي صابر تعطل بنا البص وقمنا (بدفعه) من الجمرات لمكة (4) مرات وبشهادة السواق وقال لينا البصات دي منتهية. وقد اثار الحاجان الصادق عبد الرحيم ورشدي – نقطة أثارت غضب الحجاج على البعثة وكل القائمين على أمر الحجيج السوداني في (مكة) تم إسكاننا بعيداًً عن الحرم وأسكنونا في مزدلفة بدلاً عن (منى) وأفهمونا أنها منى وهي منطقة وادي المحسر حيث العذاب وكان (صلى الله عليه وسلم) يسرع في هذا الوادي من شدة ما يرى من هول العذاب لذا عجلنا برمي الجمرات، وحقاً لم نستمتع بهذا المشعر الهام .وأضافوا -عدد من الحجاج- تتصوري يا أستاذة اسقونا موية المطافي وهي ضارة . وعندها قاطعتهم متسائلة وكيف عرفتم انها مياه مطافئ وضارة؟ رد على تساؤلي الحاج رشدي وعلى ذمته وهو حاج -على حد تعبيره قائلاً: إنها كانت من مياه إطفاء الحريق، ونقل لنا هذه المعلومة أحد الإخوة السعوديين لدى مروره، ووجدنا نتوضأ بالماء وقال لنا: لاتصلح للوضوء ومن باب أولى لا تصلح للشرب، وطالب الحجاج عبر (آخر لحظة) البعثة السودانية القيام بدورها على أكمل وجه وتفقد الحجاج وأحوالهم لأنها مسؤلية امام الله وأكدوا أن الأمراء كان دورهم مفقوداً. والتقينا الأمير سليمان محمد سليمان الذي نفى أن يكون قد قصر في عمله وواجباته وأكد أنه كان يقوم بنقل مشاكل الحجيج لأفراد البعثة، وعندما سألناه عن إسكان الحجيج في مزدلفة، قال: إن هنالك فتوى صادرة من إدارة الحج السعودية بأن المكان: مكاناً مزدلفة، وحكماً منى، وسبق أن أفاد بهذا مدير الحج والعمرة د.عصام البشير . وفي موقع آخر بمكة بمنطقة العزيزية قطاع أم درمان تقول (ن) وفضلت عدم ذكر اسمها دفعت مبلغ سبعة ملايين ونصفاً، وحقيقة أتيت أتوقع خدمات مميزة. ولم تقم بعثة الحج بإعطائنا شيئاً، عدا الخمار، وجوارب، وتلك الوجبة الخفيفة بمدينة الحجاج، والغرف مساحتها ضيقة جداً، وكان العدد(5-7) حاجات بالغرفة، ولا توجد وجبات كما اعتقدنا، بل كله على حساب الحاج، حتى المياه نقوم بشرائها، وتعلق: كل هذا لم نعره اهتماماً ولكننا نسجل لوماً شديداً للبعثة والخدمات الطبية تكاد تكون غير متوفرة والأدوية المنقذة للحياة، فلقد ذهبت إلى الطبيب، وكنت أشكو من آلام في حلقي فلم أجد الدواء وطلبوا مني الحضور في وقت آخر بغضب وتتصوري الروشته عبارة عن ورقة كراس، وغير مروسة (وحصلت آخر لحظة على روشتة) وتساءلت الحاجة عائشة عن أفراد بعثة الحج السودانية ولم ألتق أياً منهم، وصادفت الكثير من الحجاج السودانين تائهين في عرفات ومزدلفة، غالبهم من كبار السن، وحضروا عبر وكالات معروفة ولا يعرفون مركز إرشاد التائهين، أين هم أمراء الأفواج؟ وأين التنظيم والإرشاد؟ وأشارت إلى حجاج الدول الأخرى الذين يسيرون في مجموعات منتظمة أثناء الطواف والسعي وخلافه وزيهم الموحد ومكبرات الصوت تتقدمهم الرايات.
وشن الحاج(…) هجوماً على أمراء الأفواج، وطالب عبر الصحيفة الجهات المختصة بالإجابة على تساؤله بعد ما رأى بأم عينيه.. ماهي معايير وأسس اختيار الأمراء الأفواج هل على ترضيات سياسية حزبية أم ماذا؟ وأين هي معايير التدين والإرشاد الواجب توافرها؟ الشكوى لغير الله مذلة.. الحاج محمد كرار أكد بأنهم واجهتهم الكثير من المشاكل، ولكنهم لايعرفون ولا يدرون الجهه التي يتجهون إليها ويقول: أخذوا منا الملايين هذا العام رغم أن الحج العام السابق بـ4 ملايين.
المصدر : آخر لحظة