بدعة جديدة تخرج بها علينا بعض الجامعات السودانية لاسيما تلك الخاصة منها التي تم تأسيسها خصيصاً للبرجوازيين من بني وطننا! أو أولئك الذين (تبرجزوا) بين ليلة وضحاها من حيث لا ندري!!
وكأنما تلكلم الجامعات لم تكتف بالإدمان والمخدرات والزواج العرفي والانحلال الأخلاقي وتشويه المظهر العام الذي يمارسه طلابها، فتضيف إلى كل ذلك تلك الرحلات الخارجية التي ينظمها الطلاب سنوياً بدعوى الانفتاح الأكاديمي العالمي (هم المحلي عرفو ليهو شنو؟).. وتتم في الغالب بعيدا عن إشراف الجامعة المباشر.
تخرج الفكرة من بعض الطلاب المقتدرين الذين تجمعهم (صلات) قوية بغض النظر عن طبيعة تلك الصلات التي إن تبدو لنا تسؤنا. يتحمسون لها كعادتهم في البحث عن المغامرات والبرامج، ويشرعون في إجراء اللازم ومن ضمنه إخطار إدارة الجامعة للعلم بالشيء، فهذه الرحلة لن تكلف الخزانة فلسا لأن جميع النفقات تكون على الطلاب وتكتفي الجامعة بالإجراءات الشكلية، ولا تكلف نفسها حتى عبء ابتعاث مشرف لمرافقة هؤلاء الطلاب الذين يمثلونها كصرح تعليمي، ويمثلون السودان كبلد له قيم وموروثات تحفظ ماء وجهه كآخر ما تبقى له من تميز وجلال.
وبعد نيل هذه الموافقة الشكلية من الإدارة، يبدأ بعض أولئك الطلاب في التسول لصالح تلك الرحلة من العديد من المؤسسات والشخصيات، بدعوى تشجيع البحث العلمي واكتساب الخبرات، أعطوهم أو منعوهم، بينما يمارسون كل وسائل الضغط على ذويهم المستكينين، لاعتقادهم الجازم بضرورة هذه الرحلة الخارجية باعتبارها جزءاً مهماً من المقرر الجامعي يدفعهم للاجتهاد في سبيل توفير متطلبات أبنائهم المادية والمعنوية حتى لا يفوتوا عليهم هذه الفرصة المعرفية الذهبية!!
هذه الرحلات التي تتم في العادة على شكل مجموعات شبابية من الجنسين، يتسم معظمها بالطابع الترفيهي. وحدثنا شاهد عيان من أهل الثقة عن أن معظمها يخلع فيه أولئك الشباب آخر ما تبقى من جلودهم السودانية حالما وصلوا إلى البلد المعني ليبدأوا رحلة من المرح والتحرر والأنس لا يتجاوز النصيب الأكاديمي فيها مقدار زيارة أو زيارتين لإحدى الجامعات أو المعاهد المتخصصة ذات الصلة القريبة نوعيا بالكليات التي يدرسونها. وكثيرا ما لا يكون لأسرة الطالب أو أسرة الجامعة علم بكافة التفاصيل التي صاحبت هذه الرحلة، فيسافر الطالب أو الطالبة ويعود، دون أن يطلع أحد على مجريات الأحداث التي مرت دون رقيب ودون فائدة ولم تتجاوز كونها إهدارا للمال والوقت وفرصة للهرج والمرج في (بلدا ما بلدك).
أقول هذا وأعلم الكثير عن قيام الرحلات الإيجابية ذات الفوائد العظيمة التي يقوم بها طلاب جادون ومميزون يهدفون لتطوير ذاتهم ويعودون بالمعارف والعلوم التي تخدم مسيرتهم الأكاديمية القاصدة. ولكن المعلوم أننا نتناول الوجه السالب لمثل هذه النشاطات، فهذه الرحلات الطلابية المفتوحة للخارج دون انضباط لا تعود إلا بالوبال، لا سيما وأن السحنة السودانية واضحة ولا يخفى عليكم ما باتت عليه سمعتنا خارجيا وكفانا الرحلات الفنية الغامضة مجهولة المقصد والمقاصد.
لا بد من الحد المبكر من انتشار هذه الرحلات التي بدأت تتحول إلى واقع جامعي يتبارى فيه أولئك الشباب (الفارغين) الذين لا يتجاوز مفهومهم للدراسة الجامعية حدود (الكافتريات) والساحات الخارجية وحتى الرحلات الداخلية المقامة في القاعات المفتوحة بكلية (حبيبي مفلس) المعروفة أيضاً لدى الأولاد بـ (حبيبتي ما بتستاهل)، وفي رواية أخرى (أبوي عارف) في إشارة إلى ما تكون عليه الفتاة من وقاحة بحيث أنها تفترش النجيل المطل على الطريق العام عياناً بياناً مع أحدهم دون أدنى اعتبار لاحتمال مرور أحد ذويها بذلك الاتجاه ممتطيا إحدى المركبات العامة أو الخاصة!! وربما ترجع جرأتها و(ميتة قلبها) تلك لثقتها التامة في أن والدها لن يتعرف عليها، وإن رآها من فرط ما تباعدت لقاءاتهما بالمنزل بحيث لم تعد تراه أو يراها إلا لماما بدعوى انشغال الجميع كل في شأنه، الشيء الذي يجعل احتمال نسيانه لملامحها وارداً!!
فيا عزيزي الأب.. متى جلست لأبنائك المراهقين مؤخراً دون أن يكون الحوار بينكم قاصراً على التأنيب أو الزجر أو مناقشة المسائل المالية؟ متى تفقدت دراستهم وأصدقاءهم وحقائبهم وهواتفهم النقالة وحواسبهم؟ وما هو رأيك في حكاية الرحلات الجامعية إلى الخارج هذه؟ دون أن تحدثني عن الحريات الشخصية وحرية الأفراد! فبالأخير لن يقال على أحدهم فلان فحسب ولكن اسمك أيضاً سيرد في محضر القضية.
تلويح:
أنا ضد الدراسة بالخارج.. وأتحفظ على الداخليات الاستثمارية الخاصة.. ولا أشجع قضاء الفتيات لليلهن خارج المنزل.. أنا رجعية وأفتخر..
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي