> للحقيقة.. غاب عن المؤتمر العام للمؤتمر الوطني في دورته الرابعة، الجدل السياسي الخلاَّق والنظر العميق لكثير من القضايا الملحة في البلاد، وطغت على مداولاته الجوانب التنظيمية والتدابير الإجرائية التي أخذت باهتمام المؤتمرين ومن هم خارج المؤتمر، وطبيعة وظروف وتوقيت هذا الائتمار الحزبي جعلت المسائل المتعلقة بالترشيحات والاختيار للقيادة وهيئة الشورى والمكتب القيادي تطفو على السطح أكثر من الأفكار السياسية والتصورات المتصلة بمعالجات القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بالرغم من إعداد وتقديم أوراق في هذا الصدد جاءت سردية ووصفية أكثر من كونها حلولاً وسياسات يعتمد عليها في الإصلاح والتغيير.
> وقضايا الداخل السوداني كانت خلال المؤتمر تصاغ في معلبات كلامية، لم تخضع للفحص والنقاش الجدي سوى الحديث عن التأثيرات الجانبية للحكم الاتحادي وطريقة انتخاب الولاة التي استشعر فيها الحزب الحاكم الخطر الداهم في استشراء العصبيات القبلية المناطقية وإفسادها للمجال السياسي التنفيذي في الولايات وهتكها غلالة المجتمع وتماسكه المعروف، وقد فاحت خطايا العرقيات وأنتنت ولم يعد هناك بد من كشطها وتلمس الترياق الشافي منها. ودون هذه القضية المقلقة جاءت الموضوعات الأخرى أشبه بالتقارير لم تصل إلى مستوى تفتق الأذهان عن أفكار ورؤى جديدة تصلح كدواء لأدواء الواقع المرير بكل تفاصيله الشاخصة.
> صحيح جاءت قرارات المؤتمر وبيانه الختامي أمس بلمس طفيف للقضايا الرئيسة في البلاد، لكنها نزعت للتعميم، ولا تشير بصورة واضحة إلى أنها سيتم تفكيكها لتتحول إلى مرتكزات واضحة وسياسات محددة تعتمدها الحكومة ويبتدر منها الإصلاح السياسي والاقتصادي، ولا يخفى على كثيرين من حضور المؤتمر ومراقبيه أن الأفق السياسي كان في متناول اليد وقريباً جداً، إذ لم يتكلف أي من أصحاب الجلد والرأس داخل المؤتمر جهداً في الإشارة وتنبيه الحاضرين إلى معالجة عملية التعميم المخل للغاية وابتسار كثير من الموضوعات وإكثار التداول حولها وتسخين الحوار للخروج بحلول موضوعية وعملية للهم الوطني والأزمات التي تحيط بنا من كل جانب.
> وليس من العدل في مقابل ذلك القول بأن ما طرح لم يكن موفقاً، فالتوفيق في كل الأحول مستويات ودرجات، لكن درجة ومستوى «مقبول» يمكن أن تعطى لأشغال وأعمال المؤتمر في جانبه الإجرائي التنظيمي، ويُحرم منها في الجانب الأهم المرتبط بإنتاج وتحرير النقاشات الفاعلة والبناءة لمفاهيم وأفكار يتطلبها الواقع وتستدعيها الحالة الراهنة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ ودلالة.
> وربما يكون السؤال الأصعب في هذا الصدد، يتمحور حول مدى تأثير بروز التيارات والاصطفافات غير المعلنة داخل المؤتمر «أو مراكز القوة التي عناها الرئيس في كلمته الختامية أمام المؤتمرين»، وهل كانت هي السبب في جعل الجوانب الإجرائية التنظيمية والحرص على الوجود والسيطرة على مفاصل الحزب تتقدم على القضايا الأخرى، خاصة الهموم والقضايا الجادة التي كانت تتحدث عنها ورقة الإصلاح والتغيير التي بُنيت عليها مبادرة الحوار الوطني؟
> ويلحظ المرء كذلك تغيرات في لغة الخطاب السياسي وتعديلات في المواقف، خاصة ما يتصل بما يدور حولنا في المحيط العربي والإسلامي والإفريقي وبعض القضايا الدولية، وتلك نقطة مهمة للغاية لا بد من التوقف عندها، هل هي نتاج مراجعات شاملة تمت لتحقيق منافع ومكاسب ومصالح مرسلة للبلاد؟ أم حالة ظرفية تاكتيكية اقتضتها المرحلة وأوجبتها التداعيات الداهمة التي قسمت المنطقة العربية إلى فسطاطين؟
> إذا كان المؤتمر الوطني يفكر بلغة السياسة المحضة وقواعد اللعبة، فإنه اتخذ سبيله إلى ذلك دون إحاطة بكامل الصورة في المنطقة، وهي صورة لم تتشكل بعد ولم تنتهِ جولاتها، أما إذا كان ينظر إلى الأمور من باب التحوط والحذر وعبور المرحلة بأقل الخسائر بينما هو مستمسك بمبادئه وقطعياته ومحدداته، فليس من المناسب التعبير عن هذه المواقف الطارئة وكأنها انعطافات كاملة لا رجعة عنها ولا فكاك.. وفي كلتا الحالتين لم تتح فرصة كافية خلال المؤتمر لمناقشة وقراءة التبدلات البائنة في الخطاب السياسي بكل أبعادها.
> على كلٍ.. لم تغب هذه الشؤون عن أذهان وعقول عضوية الحزب وقياداته، لكن بحكم الضرورة وجد الجميع أنفسهم داخل متاهة الإجراءات والتدابير التنظيمية والتنافس الداخلي ولعبة المواقع والكراسي.. وهذا يفرض على الجميع التساؤل الذي يحتاج إلى إجابة.. ثم ماذا بعد؟!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة