ست سنوات انقضت منذ اندلاع حرب دارفور وما زالت أعداد كبيرة من النازحين تقيم بالمعسكرات؛ التي لجأوا لها عقب اشتداد وتيرة المعارك العسكرية بين الحكومة والحركات المتمردة؛ والتي بلغت ذروتها بعد أن استهدفت حركة تحرير السودان مطار مدينة الفاشر في أبريل من العام 2003م. ووقتذاك كان والي شمال دارفور الفريق إبراهيم سليمان يحذر من اتجاه الدولة للحسم العسكري ويطالب بضرورة التفاوض، وكان يقول: «أنا عسكري وأعلم تماماً ماذا تعني الحرب»، وباشتداد وتيرة الصراع نزح مئات الآلاف إلى مدن دارفور وضمنها عاصمة شمال دارفور الفاشر، واليوم وقفت على أوضاع النازحين بالفاشر عدة منظمات حقوقية وعقدت مؤتمراً لحقوق الإنسان بالمدينة. انعقد بمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور في التاسع عشر من الشهر الجاري المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان، بعد أن تداعت لحاضرة الولاية قيادات المنظمات الإنسانية العربية والأفريقية والأوربية على غرار الدعوة التي رسمت جداول تفاصيلها المجموعة السودانية لحقوق الإنسان وشبكة الجزيرة الفضائية، وحملت لافتة عنوانها «دارفور تتعافى»..
إن فاشر السلطان هذه المدينة «الجغرافيا – والتاريخ»، قامت وشبت ورسخت في التاريخ المحلي والخارجي على أيدي قادة شهد لهم التاريخ بكل فنون القيادة وإن لم يرحمهم آخرون في بعض الجوانب، إلاّ أنهم يظلون نماذج رسمت الكثير وصارت عظة وعبرة، منهم السلطان عبد الرحمن الرشيد الذي أسس مع آخرين هذه المدينة.
دارفور تتعافى
هذه اللافتة التي قرأها الأفارقة والعرب والأجانب وجدوها على أرض الواقع داخل معسكرات «أبو شوك» وأبوجا، بعد أن استقبلهم بمطار المدينة والي الولاية عثمان محمد يوسف كبر الذي أوضح للوفد أنه بإمكان أي قادم للولاية أن يقف على حقيقة الأوضاع الإنسانية والأمنية، وقال: ابدأوا برنامجكم بزيارة معسكرات النازحين للوقوف على أحوالهم ميدانياً ونحن من هنا نؤكد لكم أن دارفور تعافت تماماً وأن الحرب قد انتهت.
داخل معسكر أبو شوك
جلس الوفد داخل إدارة المعسكر بعد أن وقف على حقيقة الأوضاع الإنسانية والخدمية داخل المعسكر وطاف على أرجائه المختلفة، فقال مسؤول المعسكر نيابة عن الإدارات الأهلية بالمعسكر مستعرضاً واقع النازحين: إن المعسكر أنشئ بقرار من والي ولاية شمال دارفور عقب الأحداث المأساوية بمنطقة «كورما» و «طويلة» ونزوح عدد من المواطنين. والآن يضم المعسكر «54» ألف نازح عادت منهم أعداد مقدرة لمناطقها وقراها وبقي الآن «38» ألفاً، ويمكننا الآن أن نقول إن الحرب قد انتهت وأن الخدمات التي تقدم كافية خاصة في مجال التعليم، وأن مدرسة «السلام» بالمعسكر نالت شرف المدرسة الأولى بالولاية وهذا يؤكد الاستقرار الذي يشهده المعسكر.. وفي مجال المياه نجد أن نصيب الفرد من الماء في اليوم «13» لتراً بعد طرد المنظمات المشبوهة، واليوم المنظمات التي تقدم الخدمات داخل المعسكر كلها وطنية عدا منظمة «أكسفام» حيث لا وجود لنقص في المجالات الصحية وتوجد «6» مراكز صحية.
وطالب مسؤول المعسكر بضرورة الدعم القوي لقرى العودة الطوعية وشدد على أن الدعم المحلي غير كافٍ ولابد من الدعم العالمي، لهذا الأمر هناك عدد من النازحين عادوا إلى مناطقهم وتركوا أبناءهم هنا لأهمية الدراسة، حيث لا توجد مدارس في مناطقهم الأمر الذي يضطرهم للعودة، واليوم هناك رغبة أكيدة للنازحين في العودة لكنهم يشترطون توفير المعينات الضرورية. وأضاف: حتى يكتب لمفاوضات الدوحة النجاح لابد من إشراك النازحين «أصحاب الوجعة» في التفاوض، لأن لهم رؤية خاصة بهم لمعالجة قضاياهم بعيداً عن الحركات المسلحة.
العمدة أتيم المؤتمر
وأرسل العمدة أحمد أتيم رسالة قال إنها موجهة للمجموعة السودانية لحقوق الإنسان، شدد فيها على ضرورة توفير الأمن بمناطق العودة الطوعية والخدمات الأساسية، ولن نجامل في حقوقنا الأساسية ولابد من استيعاب أبناء النازحين في الشرطة لحماية أهلهم. وقال إن أغلب الذين عادوا بمناطق «كورما» و «طويلة».
راكوبة القاضي بالمعسكر
وأبان العمدة أتيم أنه يوجد بالمعسكر راكوبة لحل القضايا وهي معروفة براكوبة القاضي وتم فيها معالجة أكثر الموضوعات تعقيداً منها القتل، وكثيراً ما يقوم القائمون على أمر هذه الراكوبة بالذهاب للمحكمة وإخراج القضايا من هناك ومعالجتها تحت هذه الراكوبة، واستهجن العمدة عدم دعم الحكومة والجهات ذات الصلة للإدارات الأهلية رغم دورها الكبير، مشيراً إلى أن العمدة يظل له «خدمة واحدة» لمدة عام والآخرون يتمتعون.
وفي المؤتمر قال والي الولاية عثمان كبر إن انعقاد المؤتمر الذي صادف الذكرى الرابعة والخمسين لإعلان استقلال السودان سيكون له ما بعده، خاصة وأن المجموعة السودانية لحقوق الإنسان بينت الحقائق لأصحاب الأجندات الذين يعملون لمصالحهم من خلال النظر للأمور «بعينين» والسمع للقضايا «بأذنين»، وأن شعار هذا المؤتمر يعبر عن الواقع اعترف الناس أم أنكروا ذلك، وأن نتيجة الإحصاء السكاني أثبتت زيف الذين يتحدثون عن الإبادة الجماعية حيث تضاعف العدد إلى 100% ، حيث غطى الإحصاء 95%.. وأكد كبر أن الولاية مفتوحة لمن أراد الوقوف على الحقائق مجردة، حيث زارها حتى اليوم «60» وزير خارجية و «60» وزير تعاون دولي.
وفي السياق ذاته قال د. حسب محمد عبد الرحمن مفوض العون الإنساني، إنه يوجد في دارفور أكثر من «100» منظمة أجنبية وأن الجهات المختصة لم ترفض لأي منظمة أو جهة عربية المساهمة في تقديم الخدمات، مؤكداً أن ما حدث في دارفور ليس من صنع أهلها وإنما هي من أيادٍ خارجية.. فيما أكد رئيس المجموعة السودانية لحقوق الإنسان إبراهيم عبد الحليم أن المجموعة مستقلة تماماً ولا تعمل لصالح الحكومة وإنما تعمل فقط من أجل الإنسان وحقوقه، مشيراً إلى أن المشاركين في المؤتمر مختصون من الدول العربية والأفريقية والأوربية، وأن اختيار مدينة الفاشر جاء بناء على الجهود الكبيرة التي قدمتها حكومة شمال دارفور للأعداد الكبيرة من النازحين الذين فروا من قراهم، فكان لابد من أن يقف المختصون والعاملون في مجال حقوق الإنسان ميدانياً على الحقائق للتأكيد على أن دارفور تعافت من الحرب، مطالباً بضرورة الانتباه لما يحاك ضد السودان من مخططات ومؤامرات. وفي سياق المؤتمر أكد ممثل شبكة الجزيرة الفضائية ورئيس قسم الحقوق والحريات بالشبكة سامي الحاج، أن دارفور تتعافى ولابد من رفع الوعي بحقوق الإنسان والحريات العامة لترسيخ الديمقراطية، وأن الشبكة ستقف إلى جانب كل ما ينصف الإنسان في حقوقه وحرياته الأساسية. وقال ممثل الوفود المشاركة من الخارج د. هيثم مناع: لكي نمسك بالمقومات الأساسية لصحة وعافية دارفور لابد في البداية من التشخيص الموضوعي للأزمة، ومن ثم البحث عن طرق علاجها، ولمسنا الآن قناعتين في دارفور هي القناعة السياسية والاستراتيجية بمعالجة القضية والتأكيد على ضرورة وجود تصور واضح لحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والخدمية لتطوير الحياة. وأن السودان مستهدف والسبب هو ثرواته الهائلة..
وخلص المؤتمرون إلى ما أسموه إعلان الفاشر الذي قال بأهمية الدعم الدولي للخطوات التي تعيد دارفور إلى حالتها الطبيعية، وإتاحة الفرصة لممثلي المعسكرات للمشاركة في ملتقى الدوحة لحل القضية، مع وجود آلية تعاون مشترك بين منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية والسلطات السودانية. وتعهدت المنظمات بفضح أي انتهاك لحقوق الإنسان بالإقليم، وشددت على ضرورة تشكيل لجنة للحقيقة والإنصاف والمصالحة من المنظمات السودانية والدولية، تعمل بحرية تصدر تقريراً وافياً وكاملاً عن حقيقة ما دار في الإقليم سابقاً.. ودعت المنظمات الحقوقية لانعقاد مؤتمر عالمي بطريقة مهنية خلال ثمانية عشر شهراً بدارفور.
جانب من جلسات المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان بالفاشر
سامي الحاج وسط جمع من المواطنين بدارفور
المصدر : صحيفة آخر لحظة