لا أقصد بهذه الكلمات استعجال البلاء.. لكنني تلقيت عدة مكالمات هاتفية من بعض القراء يناشدونني أن أنفخ الصافرة.. إشفاقاً- على البلد الذي ما عاد في (جسمه موضع ليس فيه ضربة سيف أو طعنة رمح).. فالحكومة مشغولة بنفسها.. انتخابات المؤتمر الوطني ومؤتمراته.. وعندما تجد فضل وقت تتسلى بحربها ضدّ المعارضة.. واختفى من الخاطر الرسمي- تماماً- خطط المستقبل أو هموم الناس الآنية.
نشاهد الفضائيات، تتابع تساقط ضحايا هذا المرض الغريب المخيف.. حمى (إيبولا) النزفية.. ونفترض أن بلادنا بعيدة عن حرمه.. لكن سرعة انتشار هذا المرض في حرمنا الأفريقي تؤكد أننا من (دول المواجهة).
فإذا كانت أمريكا البعيدة بدأت تتحسب لخطره، وتشتبه في أي مسافر يمر عبر بوابتها، وهو يعاني من أي الحمى.. فكيف بنا، ونحن دولة (مفتوحة!) الجوار.. يدخلها يومياً مئات، بل آلاف، بلا جوازات سفر، من شرقها وغربها وجنوبها.. دولة تقع في المحيط الاستوائي المناظر للدول المصابة بالمرض؟!.
اكتشاف المرض يحتاج إلى أجهزة طبية ربما لا تتوفر في بلادنا.. وإذ لا قدر الله- واشتبهت السلطات الصحية في حالة واحدة فسيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً- التعامل معها من جانب أطقمنا الطبية؛ لغياب الأجهزة الواقية، أو المساعدة الأخرى.. قد يرفض الأطباء حتى مجرد الاقتراب من المشتبه في إصابتهم بالمرض، خاصة وقد رأينا واحداً من بني جلدتنا- سوداني- يلقى ربه لأنه كان من الكوادر الأممية، التي تتعامل مع خطر المرض، وتحاول محاصرته.. وطبيب أوروبي- أيضاً- مات بالمرض، بعد أن كان يكافحه في أفريقيا، ضمن بعثة طبية أممية.
والسودان- أصلاً- دولة تكابد رهق الخدمات الطبية الفقيرة.. ويستعصي على قدراتنا الطبية توفير الأمصال، والعلاج لكثير من الأمرض، في كثير من بقاع السودان.. فما بالك إذا لا قدر الله- بدأت المعركة المباشرة مع مرض (إيبولا)، داخل حدودنا الجغرافية؟.. هذا علاوة على المناطق الشاسعة الموبؤة بالحروب، في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، والتي تشح فيها التغطية الطبية المناسبة.. وهي مناطق لن يكون متاحاً تشخيص المرض فيها، فضلاً عن مكافحته، ومحاصرته، أو عزل المرضى؛ حتى لا يتسببوا في انتشاره.
حسب معلومات نشرتها منظمة الصحة العالمية، هذا الفيروس سريع الانتقال بالعدوى المباشرة بين الإنسان، أو عبر الحيوان، ونسبة الوفاة فيه عالية، قد تصل إلى 90%.. والفيروس قد يقضي فترة حضانة، تمتد إلى ثلاثة أسابيع في جسم المريض، قبل أن يطل بعنقه، ويعلن وصوله.
هل هناك احترازات في مطار الخرطوم، وبقية الموانئ الجوية، والبحرية، والبرية؟.. هل تتوفر في هذه المنافذ أجهزة كشف مبكر عن المشتبه في إصابتهم بالفيروس؟، خاصة ونحن دولة عبور لكثير من القادمين، أو المغادرين، إلى أصقاع القارة الأفريقية..
وقبل كل هذا.. هل منعت الدولة سفر الوفود الشعبية، أو الرسمية، (في المؤتمرات أو غيرها)، أو الوفود الشعبية، إلى الدول التي ابتلاها الله بتفشي الفيروس الخطير؟.
هل أصدرت الحكومة أي نداء لمواطنيها، تحذرهم من زيارة، أو عبور البلاد المصابة به.. تماماً مثل ما تفعل الدول الراشدة، التي كلما استشعرت خطراً حذرت رعاياها من الاقتراب من الدول المتهمة به؟.
عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]