> تتم تهيئة المسرح السياسي بشكل دقيق من قبل الحزب الحاكم، لمقابلة استحقاقات المرحلة المقبلة وتطوراتها والانتخابات في أبريل من العام المقبل، وستتضح خلال مؤتمره العام بعد أيام توجهات وسياسات تخاطب علل الداخل وإشكالات الخارج، بينما تغرق قوى المعارضة في غفلتها وقصور نظرها، وأهم من ذلك وما أوضح من الشمس أن الرئيس البشير بعد أن قدم مبادرته للحوار التي سترتب البيت من الداخل، قام بأهم خطوتين في المعادلة الخارجية، من خلال لقاءاته في الحج بالقيادة السعودية وزيارته لمصر، فمغزى ودلالة هذين الحدثين أنهما يرفعان النقاب عما سيخرج به المؤتمر العام للمؤتمر الوطني ويعطيان إشارت حول الكيفية التي يتشكل بها المشهد السياسي القادم في البلاد.
> فالبشير مهما كانت التكهنات والتوقعات في نتائج شورى الوطني والمؤتمر العام، سيكون في الأرجح هو مرشح حزبه للانتخابات القادمة، بذكاء لافت عمل على استعادة التأييد الإقليمي له إلى حد معقول بضربة لازب خلال زيارتيه للسعودية ومصر، فالجوار العربي والإفريقي يبدو أكثر تفهماً وحرصاً على بقاء البشير، وليس وارداً من صيرورة التطورات الجارية أن جوارنا يمكنه تقبل فكرة ذهاب البشير في هذا التوقيت، وليس بإمكانه هضم أية تحولات وتغييرات في قمة قيادة الدولة السودانية، فهناك قضايا لم تحسم بعد ولم تتشكل مناخات ذهاب البشير، فالظروف الإقليمية الراهنة لا تحتمل إضافة السودان إلى دائرة التغير وتبدل مركز السلطة الداخلي في السودان، والكل يريد التعامل مع الحالة السودانية على ما هي عليه، حتى تنضج الظروف الملائمة للتغيير بتنحي البشير عن السلطة.
> وتمثل الزيارتان للسعودية ومصر، والتواصل مع كل من إثيوبيا وتشاد وإريتريا ودولة جنوب السودان وبقية الفضاء الإفريقي، ودعوة البشير لرئيس الحكومة الليبية القابعة في طبرق، تمثل الخطوة الأخيرة لإكمال صورة المشهد السوداني المقبل لما قبل وبعد المؤتمر العام للحزب الحاكم والانتخابات المرتقبة، وتعطي المعطيات الجديدة المشار إليها هنا إشارات واضحة بأن معادلة الحكم في السودان ستظل إلى فترة قادمة مرتبطة بالتركيبة الراهنة وليس سواها.
> فتسوية الخلافات وتدفئة الخطوط بعد حالة البرود في العلاقة مع الجوار العربي، وتعزيز الروابط والتنسيق السياسي أكثر مع الجوار الإفريقي، والتواصل المستمر مع العالم الخارجي وظهور لغة تفاهم جديدة مع عدة عواصم دولية وأهمها واشنطون التي آثرت التهدئة مع الخرطوم، تصب في مصلحة استمرار البشير وليس ترجله عن السلطة، كما أن تمخضات زيارتي السعودية ومصر ونتائجها تؤكد أن وجود البشير في المرحلة المقبلة سيزيد من فرص تطبيق ما تم الاتفاق عليه في مكة مع ولي العهد السعودي وفي القاهرة مع الرئيس المصري.
> ومن المؤكد أن البلدين الجارين السعودية ومصر، لا تخفى عليهما التطورات السياسية الجارية والمتسارعة بالسودان وما ينطوي عليه مؤتمر الحزب الحاكم، وأهمية اختيار المرشح المقبل لرئاسة الجمهورية، فلا شك أن كل منهما بطريقتها سواء كانت القيادة السعودية أو المصرية، أعطت دعمها الكامل المباشر أو غير المباشر لاستمرار البشير، فمن واقع نجاح الزيارتين وتجاوز حالات القطيعة وسوء الفهم السابق مع السعودية والمخاوف التي كانت توجد والتباعد بين القاهرة والخرطوم يستخلص هذا القول.
> ومما يلفت النظر أيضاً، أن البشير سواء بقصد أو دونه في تحركاته الخارجية الأخيرة، ظهر للإقليم وفي المجال الحيوي للسودان، أنه بالفعل رجل المرحلة المقبلة، ووصلت رسالته إلى كل الجهات التي يقصدها ويريدها أن تفهم سواء أكانت بالداخل أو الخارج، ومعلوم تطابق المطلوب داخلياً والمقبول خارجياً، فإذا كانت هناك جهات عريضة وواسعة داخل مجلس شورى الوطني وأعضاء مؤتمره العام، تؤيد ترشح البشير لدورة قادمة، فليست هناك شكوك في أن الفضاء الإقليمي حولنا يرغب كذلك في بقاء البشير، خاصة أن البديل لم يُقدم حتى اللحظة ولم يتم التمهيد له كما ينبغي.
> إذا كان التقاط اللحظة الحاسمة وتوقيتاتها وفرصها تلعب الدور الأهم في عالم السياسة، فيمكن القول إن اللحظة الحاسمة هي الآن بيد البشير من بين كل قياديي المؤتمر الوطني، ولعل الصواب في تقديرات المرحلة المقبلة هو خوض الانتخابات بالبشير وإيصال الحوار نهاياته المنتظرة وتحسين العلاقات الإقليمية والدولية ومعالجة القضايا الداخلية، ثم من بعدها يستعد البشير للتنحي بعد أن يكون قد هيأ لمن يخلفه ظروفاً أفضل، فالأمور لم تزل معلقة والأوضاع لم تتشكل بعد، والبدايات بلا نهايات، فعلى أقل تقدير من بدأ مسيراً عليه إكماله قبل تسليم الدفة لغيره.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة