ورزق في شنو

[JUSTIFY]
ورزق في شنو

بالطبع لن نخسر شيئاً إذا ما حُزنا على أجر (المناولة)، وهو الحد الأدنى الذي نصبو إليه في سعينا الدؤوب لإسداء النصح لمن هم قمين بهم ذلك أكثر منا، إذ يتوفرون على منابر مؤثرة كأئمة المساجد، خاصة تلك التي تُحظى بتاريخ حافل بالاحترام والتوقير كونها (عتيقة وعريقة) كمنبرِ الشيخ (كمال رزق) إمام مسجد الخرطوم العتيق.

لن يُنْكِر أحداً التأثير الكبير الذي تُحْدِثُه تِلك المنابر على الجهور، ولكن للأسف ظل هذا التأثير ليس فقط خارج الحياة والاستثمار فيها، بل خارج الاستثمار في الدين نفسه، حتى تحسبنه فيما لو تأملته قليلاً بأنه سوف (يمرقك من الجنة وسقطها).

وبينما البلاد ترزح تحت وطأة مآزق حقيقية، من ازدياد نسبة البطالة والفقر والجوع والحرب واطمحلال سُبل العيش الكريم وتلاشيها والفساد، وما لا حصر لها من مشكلات حقيقية تؤثر بشكل مُباشر على (دنيا) المواطنين و(آخرتهم)، فإذا بالمنابر تشيح بوجهها عنها، وتعطيها ظهرها، ميممة شطر ما هو أدنى.

وها نحن ندخل محراب الشيخ (كمال رزق) الجمعة المنصرمة في ظل ظروف عصيبة ومشكلات عويصة حالمين أن نجد عنده رزقا، فإذا بنا وكأننا في قيعة ملأى بسراب، وهو يحدثنا عن أن ما نراه في الشوارع والجامعات والقنوات الفضائية (ماذا نرى لا ندري؟) ناجم عن تقاعس الحكومة في تطبيقِ شرع الله خوف أميركا! ثم مضى موغلاً إلى التحذير من خطر العلمانية والشيوعية والماسونية وإنها أكثر خطورة من (التشيُّع).

وكأن هذه هي مشاكلنا، وليس إيقاف الحرب، ومحاربة الجوع والفساد، وبسط الحريات والتعليم والعلاج، وتوفير الغذاء لأربعة ملايين هم الآن في خطر بحسب تقرير (الفاو)، وضعفهم سيأتي عليهم الدور قريباً.

فيما لو تحدثت المنابر عن الحياة، فهل هذه يعني أنها فارقت الدين؟ وهل الدين والدنيا قيمتان متعاكستان أم متكاملتان؟ ولماذا تهرب المنابر من توجيه الحكام في أمور مثل الفساد والعنصرية والتمكين، وتبذل لهم النصح فيما يخص (الشريعة) وكأنها بذلك تفصلها عن وقائع وحيثيات الحياة اليومية للناس، وتقطع بين الدين والدنيا فتصبح بذلك أكثر علمانية من العلمانية التي تناشها ليل نهار.

إذا كنت في موقع يسمح لي بإسداء النصح، فسوف أقول للشيخ (رزق) ورهطة سخروا منابركم لوقف الحرب، ومحاربة الفساد، وتوفير الغذاء والدواء للناس وتسهيل سبل الحياة لهم، وطالبوا الحكومة ليل نهار بأن تبذل قصارى جهدها في سبيل ذلك، لأن ذلك هو الدين الحق!!

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي
Exit mobile version