قلت من قبل إن عملي في مؤسسة (لاحقا شركة) الاتصالات القطرية «كيوتل» والتي صار اسمها اليوم أوريدو، جعلني أواكب وأشهد تطورات سريعة ومتلاحقة في عالم الاتصالات والكمبيوتر، فخلال سنوات عملي فيها تحولت شبكة اتصالاتها من النظام التماثلي analogue إلى الرقمي digital، باستخدام آلاف الكيلومترات من الألياف الضوئية، مما ساعد لاحقا في طرح خدمات انترنت سريعة، وجعل قطر أول دولة في الشرق الأوسط تقدم الخدمات التلفزيونية المعروفة بنظام «الكيبل تي في»، وما زالت قطر تتميز بهذه الخدمة، وما زلت ورغم محدودية القنوات الفضائية التي تقدمها للمشترك أتمتع بها في بيتي، لأنها تغنيني عن الأطباق الفضائية التي تلتقط مئات القنوات، ثم لا تجد من بينها أكثر من أربع قنوات تستحق المتابعة، وكشخص درس أصول العمل التلفزيوني في لندن ثم مارس العمل التلفزيوني لسنوات طويلة فإنني أكاد لا أصدق أن بلدا عربيا ما يستضيف قناة للدجل يجلس على شاشتها أفاق مخادع، ويتلقى الاتصالات الهاتفية من البلهاء والبلهاوات ثم «يحل العُقَد»، مع تطعيم تخاريفه بآية قرآنية أو حديث شريف ليضفي على كلامه الفارغ بعض الرصانة، أو قناة للشخلعة.. من الفجر إلى الفجر ومن يناير إلى ديسمبر بنات قليلات الملابس والحياء يتمايلن بطرق إيحائية «تجعل العجوز صبيا»، كما قال مدافع عن مثل تلك القنوات.. وبالمقابل فإن من يشترك في خدمات قطر كيبل فيجن تكون متاحة أمامه ما بين 30 إلى 40 قناة فقط، ولكن كلها «نقاوة» أي حسنة الاختيار، ولن تجد فيها قناة تحرجك وأنت جالس أمام التلفزيون مع عيالك، ففيها قنوات الأخبار المحترمة وقنوات الوثائقيات المشهورة وقنوات المنوعات اللطيفة والكوميديا الراقية والقنوات الدينية، وأجمل ما في الأمر هو أنني كنت من أكبر المدافعين عن مشروع الكيبل التلفزيوني في كيوتل، في وجه معارضة شرسة من البعض، ثم تطور المشروع بعد تركي لكيوتل وصار مطروحا باسم موزاييك في إطار باقة تضم خدمة الانترنت اللاسلكي فائق السرعة وخطّاً هاتفيا بأجر معقول جدا، وفوق هذا فإنك تستطيع أن تشترك في قنوات مختارة أو تنهي اشتراكك فيها بل بإمكانك طلب مشاهدة فيلم معين مثلا وتدفع الرسوم ببطاقة الائتمان.
وكانت كيوتل كما ذكرت من قبل أول شركة خارج المنظومة الأوربية تقدم خدمات الهاتف الجوال، وفي كيوتل تعلمت استخدام الانترنت (وببلاش بعد)، وشخص مثلي جاء وجوده في كيوتل عليها بـ»البركات» بإذن الله، كان لابد أن ينال ترقية، فشغلت في آخر ست سنوات لي في الشركة منصب «منسق الإدارة العليا»، أي همزة الوصل بين المدير العام والهوامير الكبار، بل وكنت مقرر اللجنة الإدارية العليا التي تقر السياسات والمشاريع، وبهذا تعاملت مع شخصيات ذات خبرات ضخمة وتعلمت الكثير منهم في مجال الإدارة والتعامل مع الجمهور والشركات الأجنبية وشوية طراطيش عن إعداد الموازنات والاستثمار الخارجي، واليوم وبعد 12 عاما من مفارقتي لكيوتل التي صارت أوريدو وانقسمت إلى مجموعة معنية بالاستثمارات الخارجية، وأخرى بالسوق المحلية، ما زال كبار المسئولين فيها من رئيس مجلس الإدارة إلى الرئيس الأعلى للمجموعة وأريدو قطر وكبار مساعديهم يعتبرونني «زميلا وصديقا» للشركة ولهم، بل يا ما كلفني القياديون في الشركة بمهام أديتها والله العظيم بلا مقابل مادي، ولكنني اعترف بأنني أجد من الشركة معاملة خاصة، فإذا تطلبت خطوط خدمات الاتصالات عندي صيانة أو إصلاحا فإنني لا أتصل بأقسام الصيانة بل برأس كبير يقول: أبو الجعافر يشتكي؟ ما يصير.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]