أقف طويلا عند تجربتي في العمل في مؤسسة الاتصالات القطرية (كيوتل، وصار اسمها اليوم اوريدو)، لأنني قضيت فيها 14 سنة، ومن ثم فمن الطبيعي أن تبقى محفورة في ذاكرتي، فعلاقتي بها تطورت إلى علاقة عائلية، بمعنى أنها لم تكن علاقة مستخدِم «رب عمل» بموظف، وما زال الود قائما بيني وبينها، وأسعد بأن «العيال كبرت» اي أن شباب القطريين الذين كانوا في أول السلالم الوظيفية طوروا أنفسهم وطورتهم المؤسسة (تحولت إلى شركة بعد الخصخصة) بالدورات التدريبية المحلية والابتعاث إلى الخارج حتى صاروا من قياداتها وساهموا في انتشارها الأخطبوطي بالاستثمار في شركات اتصالات في نحو تسع دول، وخلال تلك السنوات كنت شاهد عيان على القفزات الهائلة التكنولوجية الهائلة في مجالي الاتصالات والإنترنت، بل صرت «أفهم» في تلك المجالات، فتم تكليفي بتأسيس وقيادة «العلاقات العامة» بالمؤسسة إلى جانب رئاسة قسم الترجمة، ولن أنسى تكليفي بتنظيم حفل لافتتاح أول مركز/ منفذ لتسويق أجهزة الاتصالات للجمهور مباشرة، وكيف سألني السيد عبدالله العطية وكان وقتها وزيرا للنفط وعضوا في مجلس إدارة كيوتل عن سبب بؤس الديكورات والزينة في المركز، فقلت له إن ذلك يعزى إلى ضعف ميزانية ومخصصات العلاقات العامة (كانت في حدود 150 ألف ريال)، فما كان منه إلا أن التفت إلى المدير العام عزت الرشيد وقال له: أرفع مذكرة إلى مجلس الإدارة بالتمرير (أي من دون الحاجة إلى الدعوة لاجتماع) واطلب تخصيص نصف مليون ريال للعلاقات العامة على وجه السرعة، ثم خصصوا نحو مليونين لها في ميزانية العام التالي، وبسند مالي قوي (وكانت تلك المبالغ ضخمة في أول التسعينيات)، نجحت في الإسهام في تحسين علاقة كيوتل بالجمهور وتحسين صورتها عموما، وخاصة أن الناس لا يحبون المرافق التي تقدم خدمات نظير مقابل مالي (الاتصالات والماء والكهرباء مثلا).
وبسبب إشرافي على قسم العلاقات العامة في كيوتل صارت علاقتي بالصحافة ووسائل الإعلام القطرية من إذاعة وتلفزيون قوية، ولم أكن أجد صعوبة في نشر وجهة نظر كيوتل إزاء الانتقادات التي توجه إليها، ولكنني لاحظت أن كاتب عمود صحفي كان بمناسبة وبدون مناسبة يوجه إلى كيوتل انتقادات أسوأ من انتقادات طالبان للأمريكان، ولو نشرنا تكذيبا مؤيدا بالمستندات لما يكتبه يفتعل معركة أخرى، وكانت معظم انتقاداته تتعلق بارتفاع رسوم المكالمات وما كان يسميه القطع التعسفي للخدمات عن المشتركين، فأحسست بأن الحكاية فيها «إن»، وذهبت إلى قسم الفواتير لتقصي نوعية الخدمات التي يشترك فيها صاحبنا وسجله الخاص بدفع الفواتير، واكتشفت أنه -مثل كثيرين غيره- تعرض للحرمان من الخدمة لعدم سداد الفواتير عدة مرات، وأنه ما من سنة إلا وحدثت تسوية معه على سداد متأخرات الفواتير بالأقساط، ولكن لم يحدث قط أن قام بالإيفاء بالتزاماته المالية كاملة، وقمت بطباعة سجله لدى كيوتل وذهبت إلى مبنى الجريدة التي كان يكتب فيها حاملا إياه في مظروف ضخم، وطلبت منهم أن يسلموه إليه عندما يأتي لتسليم مقاله باليد كعادته، وأرفقت مع السجلات مذكرة صغيرة: قضيتك مع كيوتل شخصية ونشأت عن تقاعسك عن دفع فواتيرك، ولو جبت سيرة كيوتل بسوء سأرد عليك بنشر سجل متأخرات فواتيرك مع ذكر عدد مرات قطع الخدمة عنك إلخ، وبعدها صرنا «أصحاب».
إذا شئت أن تصف ما قمت به تجاه صاحبنا ذاك بأنه تهديد فأنت على حق، ولكنني وكل من يتصدى لمن يصور قضاياه الشخصية على أنها قضايا عامة عبر وسائل الإعلام لا بد أن نستخدم الحزم إزاء هؤلاء من دون إسفاف، فهناك قلة من الصحفيين يحسبون أنهم في موقع قوة طالما أن لديهم منابر للتعبير، ولو أساؤوا استخدام تلك القوة فمن حق أي شخص أن يردعهم.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]