سؤال قد يتبادر إلى ذهن كل متابع للقنوات الفضائية السودانية، الرسمية منها، والرياضية وذات المنوعات الخفيفة؛ هل أصبح (الغناء) هو سبيل الشباب الصاعد هذه الأيام؟ وهذا بدوره قد يولد أسئلة أخرى على شاكلة: هل سنكتشف بعد عقد من الزمان مثلا أن المجتمع السوداني تحول إلى بأكمله إلى مجتمع من الفنانين (المطربين) وأشباههم؟ وهل نضب معين تلك (القنوات) من الأفكار المبدعة خارج دائرة (الطرب الخمج والما خمج)؟ والأهم؛ لمَ صار للغناء هذه الدرجة من الشيوع والسطوة ومحاولة الجميع صعود سلالمه الموسيقية، الموهوب وغير الموهوب؟
ربما، يرى البعض، أن أقرب تفسير لهذه الظاهرة، هي أنها تعبير عن ضيق في المجالات الأخرى للتعبير، وبالتالي صارت منفذا يلبي طموح الشباب في التعبير عن شخصيتهم عبر طريق سهل بوساطة أغاني سهلة، مع الانتشار الكبير للمد الإعلامي بوسائطه المتعددة، وما يلاقيه هذا النمط من الأداء من درجة قبول عالية لذات الفئة من الشباب.
وحول نزوع معدي البرامج التلفزيونية في التركيز على تقديم هذه اللونية من البرامج التطريبية المتشابهة و(المفرغة)، قد يرى آخرون أن الأمر برمته يعود إلى حالة كساد إبداعي عام ضرب الجميع وجفف منابع الأفكار لدى الجهات المسؤولة عن القنوات التطريبية هذه، وربما ما يدلل على ذلك أنك لا تحس بأي اختلاف أو تجديد، أو حتى روح إبداعية ملهمة قد توحي لك بأن هذا البرنامج يستحق المشاهدة لأنه يقدم لنا (اقتراحا) بموهبة ما، وبتجربة قد تصقلها الأيام وتهبنا (عملاقا) بقامة وردي أو ملحنا كالموصلي.. لكن الحقيقة (المفجعة) عكس ذلك تماما، تكرار وإعادة إنتاج لما هو منتج أصلا، وفشل حتى على هذا المستوى، لا شيء سوى حالة تدوير للأغنيات القديمة المستهلكة.. ماذا يريدون بالضبط؟
حكى أحد الموسيقيين المحترفين ذات مرة عن ظاهرة الانتشار الغريب لفناني الهامش (الأثرياء)، ووصفوهم بالنباتات المتسلقة، التي بدورها تنتج فطريات تستظل تحت أوراقها المزيفة، مؤكد أنهم خمسة أو ستة تمكنوا من خلق حالة نجومية عصية على الفهم لعدم تجديدهم على أي مستوى سوى (التقليد)، وأنهم حتى في هذا المجال استولدوا آلاف المقلدين المنتشرين على طول البلاد وعرضها.. هذا قبل سنوات قلائل.
استدراك: الآن، ربما، امتدت سلسلة المقلدين لتضم الملايين من ذوي الأصوات المتناسخة!
[/JUSTIFY]أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي