نكتة سمعتها قبل سنوات خلال زيارتي لمدينة بورتسودان.. يقول الراوي إن مطرباً شاباً في مدينة كسلا كان معجباً جداً بفنان الشرق (حيدر بورتسودان)، فكان المطرب الكسلاوي يغني أغاني (حيدر بورتسودان) ويقلده في طريقة العزف الانفرادي على الأورغن.. فأطلقت عليه جماهير كسلا لقب (حيدر بورتسودان كسلا).
الامتداد الطبيعي للنكتة.. لو ظهر فنان آخر في مدينة نيالا معجب بفنان كسلا فسيكون لقبه (حيدر بورتسودان كسلا نيالا).
هذه النكتة تعكس مشهداً آخر قريب الشبه و(الجغرافيا).. عندما فكر وقدر د. محمد الطاهر ايلا والي ولاية البحر الأحمر، وأطلق مشروع (مهرجان السياحة والتسوق) في البحر الأحمر ونجح بامتياز. بدأت بقية الولايات تقلده.. في ذهني أربع ولايات لا داعي لذكرها- قلدت نفس الفكرة.. بنفس طريق (حيدر بورتسودان كسلا).. ظناً أن مجرد إطلاق موسم سياحة وتسوق يحقق للولاية نفس الطفرة التي حققتها ولاية البحر الأحمر..
كل ولاية.. حددت لنفسها شهراً أو شهرين في السنة.. تطبع فيها الملصقات وترسلها إلى شوارع الخرطوم.. ثم تقيم ليلة افتتاحية تجلب فيها ما لذ وطاب من الفنانين.. ثم تنتظر (بركات!!) موسم السياحة والتسوق..
النهضة في أي دولة تبدأ بـ(كلمة سر).. يطلق عليها (رؤية) Vision تستبطن الفكرة الذكية التي يقوم عليها عماد بنيان النهضة..
في ولاية البحر الأحمر.. الوالي (ايلا) نجح في استنباط فكرة ذكية.. يقوم عليها عماد النهضة.. الفكرة وأنا هنا أتطوع بكشف السر- تقوم على استلهام الخيط الرفيع الفاصل بين (الفيدرالية) و(الكونفدرالية)..
(ايلا) اكتشف أن النموذج السوداني المطبق الآن لـ(الفيدرالية) فيه زيف وتزييف ممعن في السماجة.. فهي حكم مركزي قابض تحت أثواب (الفيدرالية).. فتحرك بذكاء في مساحة تقترب من (الكونفدرالية) دون أن يثير حفيظة كهنة المعبد..
لفت نظري في كثير من مؤسسات ولاية البحر الأحمر.. أنها تمد صلات الوصل مع نظيراتها المركزية هنا في الخرطوم. لكن بـ(تحفظ!)؟؟ يحفظ للولاية خصوصيتها لنفسها ولأهلها.. وبصراحة لن أذكر أمثلة لهذه المؤسسات حتى لا يستفيد من (الإحداثيات!) أهل المركز فيقصفونها بالراجمات.. لاحظت في زياراتي المتعددة للولاية وخلال جولاتي في بعض مؤسسات البحر الأحمر.. فكرة العمل بروح أقرب لـ(الكونفدرالية)..
وفي تقديري أن أي مشكلة تعاني منها ولاية البحر الأحمر الآن.. تقع في قائمة (مسؤوليات المركز).. وعلى رأسها (مشكلة الماء).. أم المعارك في البحر الأحمر.
كثير من حكام الولايات يخشون جداً (غيرة!) المركز أو حتى مجرد إحساسه بأن الولاية تفكر بعقلها الذاتي.. وفق مصالحها الذاتية.. فيتصرفون كأنما هم مجرد (موظفين).. وكلاء للمركز في الولاية.. فينالهم من السوء ضعفين.. أولا سوء الفشل.. وثانياً سوء نظرة المركز لهم لفشلهم.. فلا هم أرضوا جماهير ولاياتهم.. ولا أرضوا الحكومة الاتحادية..
فكرة ونموذج (ايلا) حاول إلى حد ما- تطبيقه والي القضارف السابق كرم الله عباس.. لكنه (انزلق) من (حبل السيرك!) لفشله في الرقص مع الايقاع..
لو أطلقت الحكومة المركزية يد ولاية البحر الأحمر.. لربما تحولت إلى نموذج (سنغافورة)..!!
عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]