> لا تخطئ عين تراجع الاهتمام بقضايا السودان في الأمم المتحدة، وقد خبا شرر النار في مجلس الأمن الدولي بعد أن عد السودان من أكثر دول العالم التي صدرت في حقها قرارات أممية خلال عشرين سنة، فمنذ عام 1995م على خلفية محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك مروراً بتداعيات الوضع الإقليمي في السودان نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي ثم اشتعال قضية دارفور في الفترة من 2003م حتى 2010م، وذيول العلاقة المتوترة مع جنوب السودان قبل اتفاقية نيفاشا وبعدها وحتى الاستفتاء وانفصال الجنوب وتكوين دولته، صدر من مجلس الأمن الدولي «58» قراراً دولياً بما فيها القرارات المتعلقة ببعثة اليونميس التي رفعت والقرارات التي سبقت ذلك في محاولة اغتيال مبارك، وفرضت عقوبات على البلاد بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي، مثلت كلها سياج شبكة الإجراءات التي تم صنعها لمحاصرة السودان وإضعافه وتقييده.
> وظل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة يشهدان خلال السنوات الخمس عشرة الماضية وقبلها بقليل، أكبر وأنشط تحالف دولي ضد بلد في تاريخ المنظمة الدولية، ومنذ عام 2004م حتى عام 2010م، لم تخلُ بيانات دول كثيرة التي يقدمها الرؤساء ورؤساء الوفود في اجتماعات الجمعية العامة من إيراد اسم السودان والتطرق لقضية دارفور أو الحرب في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق والجوانب الإنسانية وقضية أبيي والعلاقة مع جنوب السودان، وعقد مجلس الأمن الدولي جلسات مشهودة مخصصة للسودان خلال هذه الفترة، وظهرت الأسرة الدولية كأنها على إجماع تام في اهتماماتها بما يحدث في السودان، وتساوى الأعداء والأصدقاء في هذه الاهتمامات.. وكذلك لم يحدث إلا قليلاً في تاريخ الأمم المتحدة أن تكون هناك ثلاث بعثات تعمل في وقت متقارب أو واحد كما حدث في بلدنا، فبعد عام 2005م حتى اليوم عملت ثلاث بعثات وهي «اليونميس التي جاءت مع توقيع اتفاقية نيفاشا لمتابعة وتنفيذ الاتفاقية» و «اليوناميد وهي بعثة مختلطة أو هجين لها تفويض محدد للعمل في أوضاع دارفور» ثم «بعثة اليونسيفا الخاصة بالنزاع في منطقة أبيي». ويضاف لهذا وجود الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان. ولا يغفل هنا أن علاقة السودان بالوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ظلت ثابتة وفعالة مثل «يونسيف والصحة العالمية، برنامج الغذاء العالمي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مفوضية شؤون اللاجئين، منظمة الفاو، صندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية الإيفاد» وغيرها، وهي تعمل وفق اتفاقيات وتتابعها الإدارات المتخصصة في الأمانة العامة للأمم المتحدة وحكومة السودان.
> وكل هذه تمثل أثقالاً كبيرة ألقيت على السودان، وتعبر عن مدى متابعة الأمم المتحدة وأجهزتها للشأن السوداني والمساهمة في ترتيباته وصياغته والتدخل في مساراته، وظلت الأمم المتحدة تراقب التطورات السياسية الجارية في السودان، بغرض الوقاية من الحروب والنزاعات والعمل على تسوية الخلافات والصراعات، وتقوم بعثاتها ووكالاتها برفع تقارير دورية عن الوضع في البلاد بما فيه الوضع الأمني والإنساني، فبعثة اليوناميد مثلاً التي وصلت ميزانيتها السنوية إلى «1.5 مليار دولار».. لا يمكن أن تعكس في تقاريرها غير الوضع المتحسن في دارفور، وإلا وصمت بالفشل وتبديد مليارات الدولارات منذ وجودها حتى اليوم في ما لا طائل تحته.
> فالسؤال إذن كيف هي علاقة السودان بالأمم المتحدة؟ وما هي العوامل الرئيسة التي أدت إلى تراجع قضايا السودان والاهتمام به هنا في نيويورك؟ ومن واقع التقصي والاستفسارات والإفادات التي توفرت لي هنا في مقر الأمم المتحدة وبعثتنا الدبلوماسية التي تعد من أنشط عشر بعثات على مستوى دول العالم مثل بعثات «كوبا والهند وباكستان والبرازيل والأرجنتين وإيران والولايات المتحدة وبريطانيا والصين»، فإن الإجابة الشافية على هذه الأسئلة تتلخص في الآتي:
1 ــ تراجع الاهتمام بقضايا السودان، نسبة لتطورات مهمة حدثت في الداخل السوداني والتدابير الحكومية المتماشية مع القرارات الدولية في وجود وعمل بعثات اليوناميد واليونسيفا، وحدوث تطورات سياسية مهمة مثل دعوات الحوار والانفتاح السياسي ومحاولات الإصلاح، وتسوية النزاع حول دارفور عبر وثيقة الدوحة وغيرها من الإجراءات الداخلية.
2ــ نسبة لبروز قضايا وهموم دولية أخرى شغلت القوى الكبرى التي تصنع القرار الدولي، مثل الأوضاع في سوريا والعراق واليمن والصومال وأوكرانيا وإفريقيا الوسطى والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، انصرفت الاهتمامات الدولية بالسودان ولو إلى بعد حين أو الفراغ من معالجة هذه الأزمات العالمية.
3ــ خفت صوت المنظمات غير الحكومية التي كانت تنشط في قضايا السودان، مثل تجمع منظمات انقذوا دارفور وكفاية التي كان يقودها ويدعمها اللوبي الصهيوني في أمريكا والدول الغربية، وقل بناءً على هدوء جبهة دارفور في السياسة الدولية والإعلام العالمي، تدفق وجمع أموال التبرعات للمنظمات التي كانت تستخدم في تنظيم التظاهرات والضغط على أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام والبرلمانات في أوروبا.
4ــ بذلت الدبلوماسية السودانية خلال السنوات الماضية جهوداً جبارة في الاتصالات والتواصل العالمي مع الدول المختلفة والمحيط الإقليمي لتوضيح الحقائق وتحسين الصورة، منها الدبلوماسية الرئاسية ووزارة الخارحية، وقد أتت هذه الاتصالات أكلها على نحو مقبول ساهم في تعديل الصورة أو جعل وضعنا في الأسرة الدولية على الأقل في حالة الجمود الإيجابي.
> لهذه الأسباب مجتمعة وأسباب أخرى تراجعت قضايا السودان داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبدأ العالم يتفهم شيئاً فشيئاً ما يدور في بلدنا، وأكبر دليل على ذلك خلو كل البيانات الدولية بما فيها خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أي شيء عن السودان ولا ذكر حتى اسمه.. وهذا نجاح كبير للدبلوماسية السودانية.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة