* واجه الموت قبل ستة عشر عاماً عندما خضع لجراحة بالغة في القلب، ليغادر المستشفى معافى دون ضوضاء وأخبار تتصدر الصحف وصور تزين المجلات رغم خطورة العملية التي أجراها آنذاك.. وقفت أسرته وحدها على أمشاط القلق تنتظر النتيجة، بينما لم يهتم بأمره بعض الموجودين بالمستشفى ناهيك عمن هم خارج أسوارها.. كان وقتها ممثلاً مغموراً يمارس بعض النشاطات التجارية ويجسد أدواراً هامشية مع أنه تجاوز الرابعة والثلاثين عاماً وهو عمر يمثل مرحلة ما بعد إثبات الذات ويعتبر فترة خصبة للتمتع ببريق الشهرة وأضواء النجومية وسحر الكاميرات ..!!
* تصالح الممثل المصري خالد صالح القادم لدنيا النجومية في (سن متأخرة) مع المرض بطريقة مدهشة.. الثقة تجلس متحكرة بجواره في الأستديو وهو يكشف في آخر مقابلة تلفزيونية مع منى الشاذلي على قناة (cbc) أنه لم يعش بسيكولوجية المريض مطلقاً، ولم تخف منى دهشتها عندما حدثها صالح عن تاريخه مع مرض القلب وخطورة العملية التي أجريت له، لترفع حاجب الدهشة صارخة: “لحظة واحدة قلب إيه ده انت لسه مدخن سيجارة!!”، ليرد ضيفها مازحاً: “ما انا عملت العملية عشان أدخن”..!
* والقلوب التي دخلها خالد غازياً مقتحماً دون أن يقف برهة للطرق على أبواب الاستئذان هي التي بكته قبل يومين وهو يغمض إغماضته الأخيرة بسبب آلام القلب بمركز مجدي يعقوب لأمراض القلب في أسوان ..!
* عرفه محبو السينما العربية والدراما المصرية عبر السنوات الأخيرة في أدوار عديدة أبرزها (الضابط الفاسد في “تيتو”.. أمين الشرطة عاشق والمتسلط في “هي فوضى”.. المعتوه في “الحرامي والعبيط” .. والنصاب البارع في “ابن القنصل”.. وبالطبع فإن معظمنا يتذكر شخصيته التي حملت اسم فيلم “الريس عمر حرب”)، وشارك الراحل مع عادل إمام ونور الشريف في فيلم “عمارة يعقوبيان”، ولم يغب عن الدراما التي لعب فيها أدوار البطولة عبر مشاركته في مسلسلي “بعد الفراق” و”سلطان الغرام”، مؤكداً أنه ممثل يشار إليه ببنان الاحترام.
* ما أن صُعقت بخبر وفاة خالد صالح حتى شخصت أمام عيني بعض الوقفات التي بإمكاني تلخيصها في الآتي:
أولاً: دخول خالد صالح لدنيا النجومية بعد (سن الأربعين) دفعه لانتقاء أدواره بعناية، والسعي للصعود بسرعة، والتركيز على تقديم أدوار ذات وزن تجعل للشخصية وجودا ولاسم الممثل رنينا، ومعه عرفنا الفرق ما بين الشهرة التي يحققها الصبية والخطوات المدروسة للقادمين لدنيا النجومية عبر (مقاعد الناضجين) ..!
* ثانياً: تنوعت الشخصيات التي قام بتجسيدها، وإن كان الجبروت يمثل فيها القاسم المشترك الأكبر.. فخالد صالح أفضل من يعكس صورة التسلط على الشاشة ويسقي من يناصبونه العداء كأسات المر، فهو ممثل يعرف الكيفية المثلى لتفتيح غُدد الشر ..!
* ثالثاً: يجيد أداء الأدوار المعقدة، ويقدم للشخصية عصارة موهبته، ويتعايش معها حد التقمص التام بصدق شديد، لذا فإنه استطاع فرض سطوته وانتزاع مساحات مقدرة في أعمال مميزة رافضاً قبول المشاركات المحدودة أو المجاملة بتقديم أدوار (أي كلام والسلام)..!
* رابعاً: نعم (وسامة الأداء) ترتفع بمستوى الممثل وترفع شأن العمل، ولكنها لا تعطي صاحبها حق تجسيد أدوار كاملة الشبابية تحتاج لصبية يخطفون أفئدة الحسان ولا تنقصهم الرومانسية والجاذبية (أقول هذا الكلام وفي بالي دور خالد صالح في مسلسل “سلطان الغرام”) ..!
* خامساً: إن كنا ندرك أنه لا (سن يأس) في الفن، فتجربة خالد صالح أثبتت للجميع أنه لا (سن قنوع) في الوصول للنجومية، ومن يتعلق قلبه بحب مهنة يصل وإن طال السفر، كما أن الصدق يفتح مغاليق الأبواب ويمثل سر نجاح كل عمل ..!
* أخيراً: لا تكتمل نجومية فنان ما لم يرتفع حسه الإنساني، ويحسب لخالد صالح أنه ما وطئت قدماه بلداً الإ وكانت له زيارات إنسانية، فمواقفه تتجاوز مصر ويكفي وقفته مع مركز راشد لعلاج ورعاية الأطفال بدبي، كما أنه حضر مشكوراً قبل بضع سنوات احتفالا بالخرطوم أقامته جمعية سرطان الأطفال تأهباً للعمل بمستشفى سرطان الأطفال ذاك المشروع الحلم الذي أحاطت به أحداث غرائبية لا تقل خطراً عن الأورام السرطانية .
* رحم الله الممثل صاحب التجربة المختلفة خالد صالح الذي أعاد حلم النجومية لمن قضوا سنوات طويلة يمثلون في مسارح الهواة أو يشاركون ككومبارس في أدوار باهتة بلا طعم ولا رائحة ولا لون.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
نفس أخير
* لو تعلق قلب (كومبارس) بـ(النجومية) لنالها!..
[/JUSTIFY]ضد التيار – صحيفة اليوم التالي