ماذا يريد المؤتمر الوطني
واضح أن حكومة المؤتمر الوطني تضع أكثر من (حلة) في النار، وتنفخ الهواء تحت جمرها- جميعاً- وهذا جيد بمقياس الهمة، وتعدد خيارات الطبخ، وتنوع الوجبات، وتوافر البدائل الغذائية، ولكننا في حاجة ماسة لنعرف هل كل هذه (القدور) ممتلئة بالطعام، أم أن بعضها فارغ، تحرص الحكومة على هزه، وتحريكه، ورجه، وتدويره، حتى تشغل به الوسط السياسي فينام (جائعا)؟؟،
البروف غندور في نهر النيل أعاد التأكيد المغلظ بأنهم لن يذهبوا إلى أية مفاوضات خارج الخرطوم تنقل الحوار الوطني إلى خارج السودان، ثم أعاد التأكيد بأنهم لن يشكلوا أية حكومة انتقالية، ورفض تفكيك المؤتمر الوطني من خلال الحوار، قائلاً: إن البعض استمرأ الفترات الانتقالية، ويريدون للوطن (الانتقال) المستمر… وهذا مدهش.
أنا أفهم كسياسي قبل أن أكون كاتباً صحفياً أن لأي حزب مساحته التي يناور فيها، وأقواله التي يعلقها في الطرقات ليغطي بها حقيقة حراكه العملي داخل غرف التفاوض، وأفهم أن كثيراً من الأقوال التي ترسل في الأثير والفضاء المفتوح تكون موجهة إلى فئة العضوية الحزبية خاصة في حالة المؤتمر الوطني الذي تزامن مؤتمره العام ومؤتمراته القاعدية والولائية مع انعقاد لواء الحوار، وأن نجاح هذه المؤتمرات يحتاج إلى لغة تعبوية محددة تدفع العضوية وتحمسهم للاشتراك وإنجاح هذه الملمات التي تسمى بالمؤتمرات الحزبية.. كل هذا مفهوم ولكن ….
الذي يجب أن تفهمه القيادات الحكومية أن العملية الانتخابية القادمة لم يتبقَ لها أكثر من ستة أشهر، وأن القوى الحزبية- جميعها- غير متفقة على خوض هذه الانتخابات، وكلهم طالب بتأجيلها لتجرى تحت إدارة حكومية لا يسيطر على أجهزتها الحزب الحاكم؛ حتى تضمن حيدتها ونزاهتها، وهذا حق مكفول، ومعقول، ومقبول، فإن تجاهل المؤتمر الوطني هذا فإنه يغلق بيديه بوابة الحوار، التي فتحها بنفسه في يناير الماضي، ويفتح كوة في أعلى السقف تتسلل منها كل سيناريوهات- القبح، والسوء، والضياع، والتبدد، وفقدان الأمل،
سنقول للمرة الثانية والثالثة والألف: إن كان المؤتمر الوطني سيذهب إلى المفاوضات في قاعة الصداقة، أو في جزر الهاواي، وهو يعضّ على خياراته بالنواجز فيرفض تأجيل الانتخابات، ويرفض إدارة المرحلة المقبلة بحكومة انتقالية، ويرفض أن ينهي تجربته الانفرادية في الحكم، فعليه أن يتحمل تأريخياً، وأخلاقياً، وزر ما سيترتب على ذلك من انسداد للأفق السياسي، وانطباق لسقف الاحتمالات؛ بالخروج من هذه العقبة التي نمر بها سالمين.. هذا ليس محض تهويل، أو تخويف، ولكن إذا أصرّ المؤتمر الوطني على الذهاب إلى كرسي الحكم في القصر الجمهوري عبر تذكرة الانتخابات التي لن يصوت
فيها أحد غير عضويته ليدير أزمات البلاد لمدة أربع سنوات قادمة بذات المنهج القديم وبذات الطاقم الوزاري العتيق فإن الشريان السوداني سينفجر؛ لأن طاقته على احتمال الأمصال والعقاقير منتهية النفع والصلاحية تكون قد خارت.
مرة أخرى نقول للبروف غندور.. الحوار في الخارج إن كان سيوفر لنا مخرجاً فلنذهب إليه؛ فهو أفضل من الانفجار الداخلي، وفقهاء مفاضلة المنافع والأضرار سيفتونكم في هذا.. ومرة أخرى نقول: لا أحد يريد تفكيك المؤتمر الوطني عبر الحوار.. نريد تفكيك حكومة الحزب الواحد؛ لبناء حكومة الجماعة، وليس هذا من الكفر في شيء.
حسن إسماعيل – صحيفة التيار