دارفور بين الحرب والديمقراطية

دارفور بين الحرب والديمقراطية
كأنما انتقلت العداوات التي بدأت عام 2003م حينما اجتهدت القوى الأجنبية في نقل الحرب من جنوب البلاد «القديم» إلى غربها، كأنما انتقلت من بين الحكومة في الخرطوم وحركات دارفور المتمردة إلى بين هذه الحركات نفسها سواء المتمردة او المسالمة التي وقعت اتفاقيات السلام مع الدولة. ويبدو أن الحوار الوطني ينبغي أن يبدأ اولاً وسط حركات دارفور الموقعة لاتفاقيات السلام، حتى لا يخرج في وسائل الإعلام ما نقرأه في بعض الصحف، وإن كنا قد قرأناه فإن الموضوع لا يحتاج هنا إلى توضيح، فالمعلومات متاحة. وغير المتاح لأطراف النزاع والخلافات هو الطريق إلى الغايات الوطنية. وفي هذه الأيام التي تشهد في كل أنحاء البلاد التحضيرات لانتخاب ولاة الولايات الذين سيرشحهم المؤتمر الوطني، تتجه الأنظار فيها بقوة إلى ثلاث ولايات باعتبار أنه ولاتها من قدامى الولاة، وهي شمال دارفور والبحر الأحمر وسنار «سنار أنا.. والتاريخ بدأ من هنا».. كما يغني المغني.
في هذه الولايات الثلاث التي طالت فيها فترات الولاة توجد ثلاثة ملفات لقضايا مهمة جداً في الساحة السودانية، ففي شمال دارفور غير الحرب نجد ملف الصراعات القبلية ومن البشريات هناك التي انطلقت أخيراً «صلح الرزيقات والبني حسين»، ويضاف إليها روح التجاوب مع الصلح الشخصي بين الوالي الحالي عثمان محمد يوسف كبر والشيخ موسى هلال شيخ المحاميد إحدى قبائل الرزيقات، وهذا يعني ان احتواء الصراعات القبلية هناك قد بدأ بقوة. لكن تبقى المشكلة هذه الأيام في ارضاء الجماهير هناك بتقديم من يرون فيه الشخص الذي يمكن أن يلبي كل مطالب واحتياجات الولاية أو أغلبها. وهم اذا كانوا يقبلون حزب المؤتمر الوطني باعتباره حزباً جاداً في مسألة بسط الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، فإن هذا «القبول السياسي» لا بد أن يتعامل معه الحزب بما يحفظه تماماً. وإذا تعالت اصوات قوية مثلاً تطالب بالسيد عبد الرحمن الصديق البرلماني الحالي والتنفيذي السابق بحكم مكانته في قلوب الكثير من جماهير الحزب هناك وصورته في أذهانهم، فإن ترشيحه بعملية ديمقراطية لا شية فيها يبقى هو الأسلم للاستقرار السياسي في الولاية. وطبعاً بالمنطق الديمقراطي لا يمكن معرفة أي حزب من الأحزاب التي ستخوض الانتخابات سيكسب منصب الوالي أو أي مرشح مستقل. وتلك مرحلة متقدمة لم يحن وقتها. ولكن هل ستحقق رغبة اغلبية جماهير حزب المؤتمر الوطني في شمال دارفور؟! أما ولاية البحر الأحمر فإن أهم قضية تحتضنها هي قضية حلايب، وهو طبعاً احتضان جغرافي، فهي قضية قومية تحتضنها الخرطوم سياسياً، لكن دور الولاية تجاه المنطقة المحتلة في حدود سلطات الحكومة المحلية هناك يبقى معروفاً. وسيكون مستقبل وضع سكان حلايب دون اهتمام الولاية بهم مزرياً جداً، فهم تحت احتلال غاشم، وهم مواطنون سودانيون يرفضون تغيير هويتهم الوطنية، وهم سمر ومن أبناء القارة الأصليين، ولا تسمح لهم أنفسهم بأن ينضموا مهما كانت الاغراءات إلى دولة «البيض»، وافريقيا اصلاً قارة سمراء وسوداء.. لذلك حتى مناطق النوبيين داخل الدولة المصرية، هي مناطق سودانية وأدخلها الاحتلال البريطاني خطأ. وهكذا السودان منذ سقوط الدولة العثمانية يتعرض للاحتلالات، وسقوط الدولة العثمانية بدأت أولى خطواته قبل عام 1821م حينما حكمت أسرة محمد علي باشا التي يقال أنها من يهود ألبانيا مصر، وحكمت باسم الدولة العثمانية، اي انها حكمت بنفاق.
أما ولاية سنار التي أصبحت واحدة من الولايات الجنوبية بعد انفصال الجنوب، فهي الآن يعاني فيها أكثر من ثلاثين الف عائد من الجنوب إلى مناطقهم الاصلية في الولاية، وهي قضية إنسانية سامية تحتاج لوالٍ يقدم القول والفعل المناسبين.. ثلاث ولايات غربية «شمال دارفور» وشرقية البحر الأحمر» وجنوبية «سنار» تنتظر ثلاثة ولاة قادرين على معالجة ملفاتها الثلاثة المهمة.. ولاة ترضى عنهم الجماهير.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version