«لا يجوز لمسلم أن يخرج في مظاهرات ينظمها أعداء الإسلام من العنصريين ودعاة الفتنة والشقاق والنفاق والطامعين في السلطة والحكم بأي وسيلة كانت، ومن فعل ذلك بأي ذريعة سياسية فهو آثم شرعاً لإسهامه في نشر الفتنة والفوضى وتسببه في وقوع العدوان على الناس -، بمن فيهم من وصفتهم بـ«المنتسبين للإسلام» ممن شارك في هذه الفتنة بحرمة موالاة الكافرين وسوء عاقبة من يواليهم في -الدنيا والآخرة» .
هذا هو فحوى الفتوى التى اصدرتها هيئة علماء السودان عبر بيان تم توزيعه امس الاول على المؤسسات الصحفية بالبلاد فى محاولة لاقحام الدين فى السياسة وتناقض واضح لدستورالبلاد الذى جاء فيه« ان تكون المواطنة أساس الحقوق المتساوية والواجبات لكل السودانيين» هذا النص يأتى فى صدر الباب الاول المسمى المبادئ الموجهة لدستور السودان الانتقالى الممهور من قبل رئاسة الجمهورية فى التاسع من يناير عام 2005م والذى تشكلت بموجبه جميع المؤسسات بالبلاد وسنت على اثره الكثير من القوانين السارية حاليا بجانب اخريات ينتظر تعديلها واجازتها تعالت من اجلها اصوات القوى السياسية وشركاء المؤتمر الوطنى بموجب الاتفاقات الثلاث «نيفاشا ، القاهرة ، ابوجا » داخل قبة البرلمان لاجازة ماتبقى منها ومواءمتها مع الدستور قبل الانخراط فى العملية الانتخابية المرتقبة بحر ابريل من العام القادم لكن المطالب لم تأت بجديد فى مارثون عنوانه الخلاف والتشاكس المستمر.
الا ان علو اصوات المعارضين والمشاركين فى السلطة بمختلف مستوياتها تنفيذية وتشريعية تعدي بداية الاسبوع الماضي التكتيكات القديمة التى كانوا يمارسونها طوال السنوات الاربع المنصرمة والتى انحصرت فى المطالبة والتهديد وصولا الى اعلى سقوفها عند بداية الدورة الاخيرة من عمر المجلس باللجوء الى خيارى المقاطعة والانسحاب من الجلسات كما فعل نواب الحركة الشعبية والتجمع مؤخرا على خلفية مطالبهم المنحصرة فى اجازة قوانين التحول الديمقراطى وعلى رأسها قانون الامن الوطنى والمخابرات وفقا لنصوص الدستور الانتقالى الذى حصر مهامه فى جمع وتحليل البيانات ومد الجهاز التنفيذى بالتقارير اللازمة ، حاجبا عنه سلطة الاعتقال والتوقيف التى كان يتمتع بها طوال سنوات الانقاذ الممتدة لعشرين عاما ، بجانب قوانين المشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الازرق وقانون استفتاء شعب الجنوب.
ليحولوا سلاح مواجهتهم المستخدم سابقا الى منطقة اخرى بمشاركة قوى المعارضة مستخدمين الجماهير ولغة الخروج الى الشارع للضغط على اجهزة الدولة من اجل المضي فى تعديل القوانين المختلف حولها واجازتها لضمان نزاهة العملية الانتخابية القادمة الامر الذى ترتبت بعده العديد من التطورات السياسية على ساحة ملتهبة اصلا وسماؤها تتلبد بالغيوم بعد ان خرجت المعارضة الاثنين الماضي واصطدمت بالشرطة تاركة الباب مشرعا لأزمة سياسية بين الشريكين تقود مؤسسة الرئاسة جهود نزع فتيلها ، قبل ان تخرج هيئة علماء السودان بفتواها انفة الذكر معتبرة ان موكب المعارضة خرج لخلق فوضي وزعزعة استقرار البلاد ونشر الفتنة بين اهلها والحيلولة دون قيام الانتخابات في وقتها، لاجل خلق مناخ مناسب لكل حاقد ومنافق يتربص ببلادنا وديننا قبل ان تضيف «يحرم شرعاً على الحكومة التساهل في حفظ الامن أو فتح الباب أمام الحاقدين العابثين بأمن البلاد واستقرار أهلها على حد قولها» فاتحه بذلك الباب من جديد للتشكيك فى توليها امر المسلمين بالبلاد و دورها الذي تقوم به بعد ان توالت بياناته ذات الطابع السياسي والتى يعتبرها الكثيرون انها تثير الفتنة وتضر باستقرار الوطن كان اخرها البيان الذى جاء بتكفير رئيس هيئة كتلة الحركة الشعبية ونائب أمينها العام ياسر عرمان، بعد مطالبته في البرلمان بمراجعة عقوبات في القانون الجنائي تنفذ على غير المسلمين ، وتساءل عدد كبير عن تغاضيها عن قضايا حساسة تهم المواطن دون ان تقول فيها شيئا على رأسها « زيادة اسعار السلع بسبب الاحتكار وغيرها من قضايا الفساد التى يتحدث عنها المراجع العام وتهرب عدد من الشركات الحكومية من مراجعة حساباتها»، الامر الذى ينظر اليه رئيس حزب الامة القومى بالامر غير المستغرب لموالاتها للسلطان ويزيد معلقا على بيانها الصادر فى حقهم امس الاول «الهيئة تمثل مجموعة علماء حكوميين ينطقون بما تمليه عليهم مصالحهم المادية»، وقال إنها تخدم الخط الحكومي، وقلل من فتواهم قائلا «ما قالوه هباء منثور» » .
من جانبه يرى الكاتب الصحفى والمحلل السياسي الدكتور الطيب زين العابدين ان بيان هيئة علماء السودان غير موفق ومثير للحساسيات الدينية التى تصل الى الفتنة الطائفية، لكنه عاد وطالب بالنظر الى هيئة العلماء من زاوية اخرى، معتبرا انها تتبع للحكومة وتأخذ دعما بصورة مستمرة، بالاضافة الى ان رئيسها أحمد على الامام هو مستشار الرئيس لشئون التأصيل .
فالهيئة التى اصبحت حاضرة وبشكل دائما فى كل الاحداث التى تمر على البلاد بمختلف تصنيفاتها سياسية ، رياضية اجتماعية ودينية ، ومشاركة فيها بشكل واسع عبر الفتاوى والتوجيهات دون ان يعترض طريقها احد ،وجدت هجوما عنيفا من مجموعة اطلقت على نفسها «الحركة من أجل حرية الضمير» فى مطلع مايوم الماضى بعد ان تقدمت برساله مفتوحة الى مؤسسة الرئاسة دعتها الى اتخاذ إجراءات في مواجهة «هيئة علماء السودان»، التي اتهمتها باستنفارالمجتمع إلى العنف والعنف المضاد، وإيقاف الفتاوى التي تكفر المواطنين، وطالبت الحركة، التي تضم شخصيات حقوقية وسياسية مستقلة، وحزبية من قوى سياسية مختلفة معارضة ومشاركة في الحكومة، الرئيس بالعمل على صون وحدة السودان وكفل الحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية الضمير داخل البرلمان وخارجه على خلفية بيان اصدرته الهيئة فى حق رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الحركة ياسر عرمان ، فالدكتور الطيب زين العابدين الذى تحدث لـ«الصحافة» عبر الهاتف امس معلقا حول البيان، اعتبر ان هيئة علماء السودان بمسلكها هذا تعمل على تقسيم المسلمين الى مسلم درجة اولى واخر رابعة وهذا امر خاطئ دينيا واخلاقيا ويدخل العلماء فى حرج ، وقال « اعتقد انهم كانوا يظنون ان بيانهم يخدم الحكومة لكنه بيان مضر للغاية ومسيئ لها وللعلماء انفسهم » ، وواصل من قبل افتوا بعدم سفر الرئيس بعد قرار الجنائية ، لكن الرئيس سافر وحصد نجاحا كبيرا بعد سفره وجاءت تقديراتهم خاطئة « فهم لا يفهمون فى السياسة ويقحمون انفسهم فيها والافضل ان يصمتوا « ، فالتظاهر وغيره من امور ذات شأن سياسي محض متاحة للجميع وتكفله القوانين ، من جانبه لم يستغرب الباحث بمعهد الدراسات الافريقية والاسيوية منتصر ابراهيم الزين من اقحام هيئة علماء السودان بنفسها فى الصراع السياسي، وقال « ليس فى الامر عجب فالشعب السودانى تسيطر عليه طوال تاريخه قيم المتعالين دينيا وعرقيا فمثلما تعمل جيوب التطرف العرقى فى تبرير تقسيم الوطن والمناداة بذلك الامر تحت موافقة السلطة التى سمحت لهم بتسجيل حزب اساسه يقوم على الكراهية العرقية كان لابد ان تقوم الواجهة التبريرية الاخرى مثل هيئة علماء السودان بمثل هذا البيان الذى لايخرج عن كونه بيانا سياسيا لا اكثر، وزاد يكفى اننا خبرنا مثل هذه الترهات منذ تاريخ حركة الاسلام الراديكالي ».
المرور فوق البيانات التى تقوم باستخراجها هيئة علماء السودان بين الحين والاخر دون الوقوف من قبل السلطة يمكن ان يقود البلاد الى مصير حذرت منه ذات الهيئة فى صدر بيانها الاخير وهو الصوملة دون ان تدقق النظر حول الطريق الذى تحمل فوقه الناس ، فالوطن الذى تحاصره اعاصير الاحتقان السياسي والحروب المتداخلة الاسباب اصبح جسده لايقوى على حرب اخرى محركها الدين والطائفة.
عباس محمد ابراهيم :الصحافة