المقترح الأمريكي اختصار للديمقراطية السودانية

المقترح الأمريكي اختصار للديمقراطية السودانية
حتى إذا افترضنا أن ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من مقترحات وأفكار للسودان إذا ما تحقق بالفعل على أرض الواقع، فإنها لن تلتزم بما تعد به على صعيد المساعدة في إعادة الأمن والاستقرار الذي تسببت في نسفه منذ يونيو 1983م. وهذا التاريخ لو تذكرون يسبق تاريخ استبدال القوانين الوضعية البريطانية بالقوانين الاسلامية. واشنطون فقط تريد أن تقوم الحكومات الافريقية والعربية بما تريد، وبعد ذلك لا يهمها طبعاً ما سيحدث. ولا يهمها إذا نكصت عن وعودها ونقضت عهودها. لقد كانت اتفاقية نيفاشا «اتفاقية السلام الشامل» برعاية «قهرية» و «قسرية» منها، ولكن بعد ذلك احتاجت البلاد لإعادة مونتاج الاتفاقية. كذلك اتفاقية أبوجا يونيو 2006م. فواشنطون تريد أن تأمر لكنها ترفض أن تفي بوعدها لصالح الأمن والاستقرار. وإذا كنا الآن في هذه الأيام في مناخ الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فمن يقف ليحاسب واشنطون على كل ما اقترفته؟!. فهل لا فرق بين الدورات الأولى أيام الاستعمار والاحتلال الأوروبي، والدورات التي انعقدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ترتب عليه اختلال التوازن الدولي لصالح واشنطون؟! دعك الآن من هذا السؤال ودعنا ندخل في الموضوع مباشرة.. تقول الأخبار إن الولايات المتحدة الأمريكية ترسم خريطة طريق لحل الأزمة السودانية تتضمن حكومة انتقالية لمدة عامين مع استحداث منصب لرئيس وزراء. وطبعاً هذا المنصب لا يوجد في أمريكا الدولة الكبيرة مساحة وسكاناً رغم انها الأولى به. وإذا نظرنا إلى خريطة «الحل» الأمريكية فإننا نجد أولاً إلغاءً للعملية الديمقراطية التي جاءت بموجهات اتفاقية نيفاشا، وفي ظلها كانت انتخابات أبريل 2010م في أجواء ديمقراطية شفافة قد لا تكون القادمة أفضل منها، لكن قاطعتها معظم الأحزاب بعد أن انفتحت لها أضواء أجهزة الإعلام الرسمية لتدشين حملاتها الانتخابية. ولم تكن المشكلة طبعاً في نزاهة العملية الانتخابية لكنها كانت في غياب الحنكة لإدارة العمليات التنظيمية. وحتى الأحزاب القديمة التي شاخت و «شبه ماتت» لم تستطع أن تستفيد من الأجواء التي كانت فيها الحركة الشعبية شريكة في الحكم في الخرطوم في فترة انتقالية لأكثر من ست سنوات. ولم تقل الأحزاب الكبيرة والقديمة لقواعدها عليكم بالتسجيل لاستيفاء شرط الانتخاب، وهذا مسؤولية إدارات إعلام الأحزاب وليس غيرها. على أية حال لم تتهم واشنطون الحكومة السودانية بأنها قامت بتزوير الانتخابات، ولم تكن هي في حاجة إلى هذا الاتهام حتى ولو كان خادماً لمؤامراتها تجاه البلاد، وذلك لأن المؤتمر الوطني خاض الانتخابات بلا منافسة. والآن حزب المؤتمر الوطني يحكم منتخباً، وولاية حكمه ستنتهي في أبريل القادم إن شاء الله، فإما كسب التالية وإما كسبها حزب آخر، فقد حسم أمر التداول السلمي للسلطة في البلاد. وهذا ما ينبغي أن تقوله واشنطون للمعارضة وللمتمردين، لكنها لا تقول لأنها «خسيسة» وخستها مفضوحة تماماً. ولا يمكن أن يرضى الشعب بأن تتحول الميزانيات الطائلة للصرف على حكومات انتقالية لا تتوقف حلقات مسلسلها.
في عام 1964م كانت الحكومة الانتقالية هي الأولى، وعام 1985م كانت الثانية، وعام 2005م كانت الثالثة. وبعدها جاءت الديمقراطية «الرابعة»، فما الحاجة إذن بعد الديمقراطية الرابعة إلى فترة انتقالية رابعة؟!. لماذا التلاعب بالاستقرار السياسي في السودان سواء من واشنطون أو من المعارضة؟! لكن حتى إذا رضيت الخرطوم بهذا التلاعب على أساس أن يكون قبوله حسماً لزعزعة الاستقرارين الأمني والسياسي، فهي قد جرّبت، فلماذا تجريب المجرّب؟! ثم منصب رئيس وزراء لماذا لا يكون في واشنطن لغير الأنجلوساكسون من أبناء الشعب الأمريكي وغيرهم من الأغلبية؟! والأنجلوساكسون أنفسهم ليسوا هم سكان أمريكا الأصليون. وخريطة واشنطون الاحتقارية تحتاج لرد رسمي، فالمقترح الأمريكي احتقار واضح للديمقراطية السودانية، فلا يعقل أن تلغى ديمقراطية بلد من أجل خريطة يقدمها بلد آخر يفترض أو يدعي أنها حل لأزمة سياسية.. الأزمة السياسية لا تحل بإلغاء وضع ديمقراطي.. أما المعارضة فعليها بالحوار وانتظار معركة الانتخابات بتفكير عميق هذه المرة. وأما المتمردون فإن كل الاتفاقيات الآن تستوعبهم إذا كانت واشنطون دولة صادقة محترمة، لكنها للأسف عكس ذلك.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version