من الطبيعي أن يشعر الكاتب بالرضا عندما يجد تفاعلا مع ما يكتبه، لأن هذا يعني أن كلماته وصلت للمتلقي حتى لو حدث جدل حول مضمون المقالة أو البحث، فالنقاش مطلوب وصحي إن كان في سياقه «العقلاني الطبيعي»، من دون تخوين ولا تكفير ولا مغالاة، وقد قرأت قبل عدة أيام ثلاث تغريدات للصديقة الإعلامية هلا الناصر قالت فيها:
«يندر أن تجد مثقفا عربيا لم يتعرض للمضايقة من حكومة بلاده»، وفي الثانية كتبت: «جميع الحكومات العربية تخاف من المثقف وتستريب من أهدافه»، وفي الثالثة ختمت بقولها «لا يوجد مثقف عربي لم يتعرض للتخوين والتشكيك في وطنيته».
وبالطبع هوجمت الزميلة هلا من بعض المتطرفين فكريا، الذين يرفضون أي شيء ولا يتقبلون أي شيء، ولا يؤمنون بالنقاش الهادئ الذي يوصل لنتيجة، فيما اتفق البعض معها كليا أو جزئيا، والأكيد أن المثقف الحقيقي يشكل تهديدا لأي حكومة إذا لم تكن هذه الحكومة تراعي مصالح شعبها، ولديها بؤر فساد، أو تريد تضليل شعبها من أجل مصالح البعض الشخصية، وهنا يتصدى المثقفون لهم، وهم من يبدؤون ثورة الشك التي تنتقل لباقي قطاعات المجتمع.. أما من هو المثقف؟ فهذه تحتاج لمقالات أخرى، فالمثقف ليس صاحب الشهادات بل صاحب الخبرة والرؤية والبصيرة والمعرفة مجتمعة.
وآخر مقالاتي في «الكويتية» حملت عنوان «الأمريكي الطيب»، وهي واحدة من المقالات التي لقيت ردود فعل كبيرة، مؤيدة كانت أو معارضة، وأغلب المعارضين لم يتسنّ لهم زيارة أميركا ومعايشة الشعب الأميركي على الطبيعة، فورثوا كره أميركا (الدولة) قيادة وشعبا وقرارات، رغم أنني بدأت مقالتي بعبارة تقول «إنني منذ وعيت على الدنيا وجدت نفسي في وسط ومحيط كاره لأميركا فشببت على كرهها».
ولعل من أعمق التعليقات التي قرأتها عندما نشرت المقالة على موقعَي إنستغرام وتويتر، تعليق الأخت شوق التي كتبت تقول «يبدو أننا نحن العرب مصابون بعقدة المبالغة، إذا تدينّا تشددنا، وإذا آمنا بفكرة تعصّبنا، وإذا اختلفنا تخاصمنا.. وعندما رضعنا كره أميركا كرهناها جملة وتفصيلا.. ومن أحب أميركا أصبح وكأن لسان حاله يقول: معهم حتى لو دخلوا النار.. ولازالت شمس ثقافة الاعتدال ترفض الإشراق».
وتوقفت كثيرا عند هذا التعليق الذي ينم عن «ثقافة»، بغض النظر عن الشهادة التي تحملها صاحبة التعليق، فنحن فعلا أمة لا توسط بيننا.. والاعتدال غائب ومُغيب حتى بفعل فاعل، حتى نظل أمة تغلي على نار التطرف في كل القضايا؛ صغيرها وكبيرها، وبالتالي نظل نعيش وسط دوامة القلق والخوف حتى من الجار والصديق، فيكون الغريب هو الملجأ، وهو الحضن الحامي، رغم أنه لم ولن يحمينا سوى لتحقيق غاياته ومصالحه وأطماعه.
نعم مازالت شمس ثقافة الاعتدال ترفض الإشراق، ومازالت ثورات الشك توأد في مهدها، ولهذا أفرز «الربيع» تطرفا وعنفا وخلافات وصراعات.. أنتج دمارا احتجنا لعقود ومليارات حتى نبنيه ونُشيّد صروحه.
[/JUSTIFY]