والحركة الشعبية الحاكمة في جوبا رغم أن النفط قد أسال لعابها وشجعها على الجلوس الأخير مع الحكومة للتوقيع على اتفاق نهائي، إلا أنها تلاعبت بمشروعه وكأنها طفل يعبث باشيائه المهمة دون أن يفهم طبعاً ضرورة الحفاظ عليها. لقد عبثت الحركة الشعبية بإنتاج النفط الذي حفزها للجلوس للتفاوض ثم التوقيع ثم استفتاء تقرير المصير. ومن أجل إسقاط حكومة الخرطوم بحسابات خاطئة وغريبة قررت حكومة جوبا في الثاني والعشرين من يناير 2012م إيقاف إنتاج النفط، فلا يستفيد السودان من عائدات رسوم مروره.
لكن بعد أن شعرت حكومة جوبا بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته بحق شعبها حينما اوقفت إنتاج النفط، عالجت هذا الخطأ من خلال تفاهم مع الخرطوم في أديس ابابا ليكون القرار التصحيحي في السابع والعشرين من سبتمبر عام 2012م هو استئناف إنتاج النفط وتمريره بخطه القديم بدلاً من الاتجاه لتصديره عبر ميناء كيني، كما كانت تتحدّث وتهمس أثناء فترة تنفيذ القرار الخطأ. وقد بدأ ضخه من جديد في الخامس عشر من ابريل عام 2013م. لكن يبدو أن القوى الأجنبية التي تستغل دائماً معظم الحكومات الإفريقية يبدو أنها لم ترض بخطوة المعالجة الجنوبية.
لكن ماذا ستفعل لنسفها؟! بالطبع ليس أمام القوى الأجنبية لتعطيل أي مشروع فيه مصلحة للشعوب الافريقية إلا بواسطة إشعال الحروب. إذن اشتعلت الحرب في السادس عشر من ديسمبر عام 2013م، ليتوقف إنتاج النفط بنسبة كبيرة جداً قابلة للزيادة في الثلاثين من ديسمبر من نفس العام.
لكن لا يمكن أن تكون واشنطن وصويحباتها صادقات مع الحكومات أو المعارضات الإفريقية، بحيث نتوقع أن تعترف القوى الأجنبية بأنها تريد إيقاف إنتاج النفط من أجل مصلحة خارجية بالنسبة لجنوب السودان، ولا تخص شعبه. وهذا طبعاً لا يمكن الاعتراف به.
واشنطن لا تعجز عن إيقاف الحرب في الجنوب لكنها تريد إيقاف إنتاج النفط في الجنوب. والآن آخر الأخبار ترد من جنوب السودان تفيد باشتداد المعارك في الإقليم الذي ينتج فيه النفط. وفي نفس الوقت السودان يتجه لاستكشاف النفط في المربع السادس والعشرين. لقد ارتفع عدد المربعات في هذه الأيام إلى هذا الرقم، وتعطل إنتاج النفط في جنوب السودان في معظم المربعات هناك، ونذكر هنا أو يجدر ذكره تصريح باقان أموم حينما كان وزيراً لرئاسة مجلس الوزراء حينما قال: «السودان دولة فاشلة».. وكان جنوب السودان وقت هذا التصريح مثل إقليم كردستان العراقي الآن الذي انسحبت منه السيادة العراقية. وباقان حينذاك كان عضواً بمجلس وزراء ليس له سيادة وسلطة تنفيذية على الإقليم الذي ينتمي إليه هو نفسه.. فهل كان يشعر بمثل هذا الفشل الذي صنعته الحركة الشعبية للجنوب قبل انفصاله واستكملت صناعته الآن بعد استقلاله بالحروب، وبعد الوقوع في مصيدة القوى الأجنبية؟! لا بد أن تقرأ الأجيال الجديدة في الجنوب «ويبدو أن الجيل الأول بعد الانفصال قد شب عن الطوق»، وتستطيع بعد ذلك أن تفهم من هو صديق الجنوب الحقيقي ومن هو عدوه؟!
الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة