الصراع على المقعد الأول في دولة جنوب السودان، والقتال من أجل الاستحواذ على الرئاسة في القصر الرئاسي بـ «جوبا» سيكون المهزوم الأوحد والأكبر فيه، حركات التمرد التي رفعت السلاح في وجه «حكومة الخرطوم»، كما يحلو لمعارضيها في الخارج أن يقولوا ذلك عندما يتحدث أي منهم عن حكومة السودان.
لا نعرف ولا يكاد أحد يعرف إلى أين ستقود الحرب الدائرة الآن في جنوب السودان، بين السيد الفريق «سلفاكير ميارديت»، رئيس جمهورية جنوب السودان، وبين نائبه السابق الدكتور «رياك مشار»، فالمعارك الآن أضحت أقرب لمباديء ومقدمات حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر، حرب أوشكت أن تصبح صراعاً مكشوفاً على السيادة بين قبيلتين كبيرتين هما «الدينكا» التي ينتمي لها رئيس الدولة، و«النوير» التي ينتمي لها نائبه السابق، بينما ينتظر طرف ثالث قوي نتائج الصراع لا ليبني تحالفاً مع المنتصر بل ليطالب بنصيبه في الحكم، ونقصد بذلك الطرف، قبيلة «الشلك» التي تعتبر ثالثة ثلاث قبائل كبرى في دولة جنوب السودان، تم تقسيم مديريات الجنوب في «السودان القديم» وفقاً للثقل القبلي، فأصبحت ثلاث مديريات هي «أعالي النيل» و«بحر الغزال» و«الأستوائية».
المتفائلون الذين ينتظرون هدوءاً وسلاماً قريباً في دولة جنوب السودان الشقيقة، سيطول انتظارهم، لأن المقدمات الحالية لن تقود إلى تلك النتائج.
أما علاقة الجبهة الثورية بكامل مكوناتها العسكرية والسياسية بالذي يحدث في دولة الجنوب، وضعها في حالة أقرب إلى «الورطة» خاصة حركة العدل والمساواة التي هاجرت من الأراضي الليبية عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وفقدت في رحلتها أو هجرتها تلك مؤسسها وقائدها الذي أجمع حوله كل الثائرين على السلطة وقتذاك، الدكتور «خليل إبراهيم»، والتي تضعضعت بعد مقتله وضعفت لعدم الاتفاق حول القيادة الجديدة، التي أعادت لأذهان منسوبي حركة «العدل والمساواة» صورة الحكم التقليدي في السودان بتوريث السلطة لأهل البيت الواحد، فانقسمت الحركة لأكثر من حركة، وفقدت عدداً من قياداتها الميدانية ذات الخبرة والكفاءة القتالية، وكاد عدد من منسوبيها أن يروح ضحية لصراعات القادة، وهو ما دفع بأولئك المنسوبين إلى «العودة الطوعية» وتسليم السلاح والالتحاق بالسلام.
الحائر الأكبر الآن بسبب ما يدور في دولة الجنوب من حروب، سيكون «قطاع الشمال» المكون ـ أصلاً ـ من الفرقتين التاسعة والعاشرة، وهما تمثلان القوات الأقوى في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، الآن تواجه هاتان الفرقتان أسوأ ما يمكن أن تواجهه جماعة مقاتلة، وهو عدو شرس لا يركن لراحة ولا يبغي سوى تحقيق النصر الحاسم، إضافة إلى ظروف طبيعية قاسية في «أرض المعركة» بالولايتين، إلى جانب فقدان «المنصة» التي تنطلق منها العمليات العسكرية بعد أن اشتعلت تلك المنصة القائمة في أرض دولة جنوب السودان بسبب نيران الحرب بين قوات الرئيس وبين قوات نائبه السابق.
كل الحركات ستلتحق بالسلام على مبدأ أو قاعدة «مكره أخاك لا بطل».. أما قائد حركة تحرير السودان «عبد الواحد محمد نور» فإنه لا يملك قوة حقيقية على الأرض، ويعتمد على شاشات التلفزة ومايكرفونات الإذاعات الخارجية.. لكنه ربما لا يتذكر الآن أن المعارك لم تعد تدار بأجهزة الإعلام وحدها.. الوجود والقوة والحركة والوعي السياسي والسند الشعبي هم الآن أساس الانتصار في أي معركة عسكرية.
«اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وأهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وأجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك، قابلين لها، وأتممها علينا.
آمين
..و.. جمعة مباركة
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]