سويسرا بلا مآذن .. ماذا عن المسلمين الرساليين؟

يعد نظام الاستفتاء من أرقى الأنظمة الديمقراطية ، وسيكون أكثر رقيا في المستقبل عندما تتطور آلياته بحيث يبدي كل أحد رأيه ، وليس فقط من يذهبون إلى صناديق الاقتراع ، أعني أن تكون نسبة الأصوات في الصناديق هي ذاتها نسبة من يحق لهم التصويت ، بصرف النظر عن وضعهم الصحي أو الاجتماعي ورغبتهم في التصويت (بوسعهم وضع ورقة بيضاء).

نقول ذلك لأن نتائج الاقتراع في الجولات الانتخابية في سائر أنحاء العالم لا تعبر بالضرورة عن الرأي الحقيقي لجميع الناس ، بقدر تعبيرها في كثير من الأحيان عن سطوة المال والسياسة ، فضلا عن لعبة الدعاية والإعلان ووسائل التضليل الكثيرة المتاحة.

في سويسرا كانت نتائج استطلاعات الرأي تتحدث عن تأييد 37 في المئة فقط لقرار حظر المآذن في البلاد ، لكن النتيجة كانت غير ذلك ، إذ أيد 57 في المئة القرار ، وتفسير الفارق هو أن جزءا كبيرا من المستطلعين القائلين لا للحظر لم يذهبوا للصناديق ، بينما ذهب الآخرون.

في أي حال ، فإن النسبة تبدو معقولة ، وهي تعبر عن قدر من التسامح في المجتمع السويسري ، ولو أجري الاستطلاع في أي بلد أوروبي آخر ، لكانت النتيجة أسوأ ، مع العلم أن نسبة المسلمين في سويسرا هي في حدود الخمسة في المئة.

من المؤكد أن النتيجة تعكس صعود اليمين المتطرف في الساحة الأوروبية عموما ، وهو صعود له صلة بالهجمة الإعلامية والسياسية على الإسلام والمسلمين بعد هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة ، إلى جانب تمسك المسلمين بهويتهم خلال العقدين الأخيرين ورفضهم الذوبان الكامل في المجتمع الأوروبي ، فضلا عن البعد الاقتصادي ، بخاصة إثر الأزمة المالية العالمية ، وبالطبع في ظل شعور الأوروبيين بمزاحمة المهاجرين لهم في فرص العمل والضمانات الاجتماعية والصحية. وقد لوحظ أن شيئا من هذه المشاعر العنصرية قد أخذ يتصاعد مثلا ضد مواطني أوروبا الشرقية (المسيحيين) الذين تدفقوا إلى أوروبا الغربية إثر دخول بلدانهم في الاتحاد الأوروبي ، وصاروا يشكلون عمالة رخيصة تنافس العمالة المحلية.

ثمة بُعد بالغ الأهمية ينبغي أن يتنبه إليه المسلمون في ضوء نتائج الاستفتاء الجديد ، وهو البُعد الرسالي الذي يحملونه للإنسان الغربي ، ذلك أن سوء سلوك بعض المسلمين في تلك البلدان كان ولا يزال عنصر تنفير للغربيين من الإسلام والمسلمين ، وقد لاحظت ذلك في بريطانيا التي لا يقدم فيها بعض الآسيويين والعرب صورة جيدة عن الإسلام ، حيث يبالغون في التزوير من أجل الحصول على المعونات الاجتماعية ، مع استخفاف ظاهر بمصالح البلد الذي يعيشون فيه.

صحيح أن الغرب هو المسؤول عن الكوارث التي حلت بالمسلمين في أكثر من مكان في هذا العالم ، عبر الاستعمار ونهب الثروات ودعم الحكام الفاسدين ، لكن الرد على ذلك لا ينبغي أن يتم عبر سلوك انتهازي ينفّر الغربيين من الإسلام والمسلمين.

ثمة بُعد مهم آخر في هذا السياق يتعلق بضرورة اختيار المسلمين في تلك البلدان للتفسيرات الأقل تشددا للإسلام التي تنسجم مع البيئة التي يعيشون فيها. وعندما نقول التفسيرات الأقل تشددا أو الأكثر انفتاحا ، فنحن لا ندعو إلى تفصيل إسلام على مقاس الغرب كما سيردد موتورون هنا وهناك ، ولكننا نتحدث عن تفسيرات يسعفها النص القرآني والسنة الصحيحة ، بعيدا عن المتوارث من العادات ، ومثال ذلك النقاب الذي يبدو الرأي القائل بوجوبه ، بل حتى باستحبابه أقل قوة من القائل بأن الأصل هو كشف الوجه ، فضلا عن قضايا المرأة الأخرى وفقه التعامل مع الآخر غير المسلم.

ثمة ممارسات كثيرة تنسب للإسلام وهي ليست منه ، وفي هذا السياق يقوم المجلس الأوروبي للإفتاء بجهد كبير لإصلاح الأمور ، لكنه يواجه بأصوات مريضة لا تلقي لفتاواه وطروحاته ، بالا وتصر على فقه يطفش المسلمين ، فضلا عن الغربيين.

يبقى الأهم من ذلك كله ممثلا في الجانب الأخلاقي ، فقد أدخل المسلمون دينهم إلى دول وقارات بحسن الخلق ، وهم قادرون أن يفعلوا ذلك من جديد إذا تمثلوا أخلاق دينهم الحقيقية ، وإذا كانت المآذن قد منعت ، فالمساجد مسموحة والمصليات ، وإذا ما سار المسلمون في طريق الرسالية ، فسيأتي اليوم الذي يسمح فيه بالمآذن ، بل ربما غدت مطلبا للغالبية من الناس.

العربية نت

Exit mobile version