لم توفر إجازة عيد الأضحى فرصة للاسترخاء لكل من تابع فيض التحليلات الذي انهال من دور الخبرة والمؤسسات الاستثمارية حول إعادة جدولة ديون دبي العالمية. فمنذ صدور الأخبار مساء الأربعاء الماضي بدأ السباق لاستنتاج الأسوأ حول معنى التصريح الذي أدلت به حكومة إمارة دبي حول طلبها من حملة صكوك شركة نخيل، الذراع العقارية لمجموعة دبي العالمية، تأجيل استحقاق هذه الصكوك لمدة ستة أشهر. وتنوعت عناوين التقارير بين “الزلزال المالي الكبير في دبي” و”نهاية حلم الصحراء” إلى “آثار الأزمة في دبي تهبط بالأسواق العالمية”.
ووسط هذا الزحام، يجد البعض صعوبة في قراءة قرار دبي الأخير بمنطقية بعيداً عن جرعات الادرينالين التي توفرها العناوين.
تأجيل الاستحقاق خطوة على الطريق
بعد عودة الأسواق الإماراتية للعمل يوم الاثنين، صرح عبدالرحمن آل صالح، وهو رئيس الدائرة المالية في حكومة دبي بأن إعادة هيكلة “دبي العالمية” قرار سيخدم في النهاية مصالح كل الأطراف. ولم ينف الصالح أن إعادة الهيكلة ستولد غضب البعض مرحلياً وهو شر لابد منه لتحقيق المنفعه العامة على المدى الطويل.
وتنسجم هذه التصريحات مع ما صرّح به الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس اللجنة العليا للسياسة المالية في الإمارة بعد يوم من إعلان دبي عن طلبها من الدائنين تأجيل استحقاق صكوك “نخيل”، حيث أشار الشيخ أحمد إلى أن إعادة جدولة ديون “دبي العالمية” هي خطوة تجارية منطقية بحتة، تهدف إلى حمل الشركة لمرحلة جديدة أساسها الربحية المستدامة. وهذا بحد ذاته ليس أمراً مستغرباً في الأسواق العالمية للشركات التي تواجه مصاعب جمة بعد الأزمة المالية. وعملاق السيارات الأمريكي جنرال موتورز ومصرف “سي آي تي” هما من أحدث الأمثلة على شركات اضطرت لإعادة جدولة ديونها ودخلت تحت حماية “البند الحادي عشر” من قانون الإفلاس الأمريكي. وحين طرحت فكرة إعادة هيكلة جنرال موتورز، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أكبر المدافعين عن الفكرة، علماً بأنها تتضمن إعادة جدولة كاملة للديون وحماية الشركة من الدائنين لفترة طويلة لم تنتهِ بعد، عوضاً عن تأجيل استحقاق السندات بستة أشهر فقط. وحين تم الإعلان عن هذه الخطوة، لم تنهر الاسواق العالمية، ولم ينظر إليها المستثمرون كفاجعة، بل على العكس تم اعتبارها فرصة لخلق شركة جديدة قادرة على المنافسة على المدى الطويل. الخطوط الجوية “يونايتد إيرلاينز” مرت بالتجرة ذاتها عام 2002 بعد أن التهمتها الخسائر، وبعد أربعة أعوام عادت الشركة لتحقيق الأرباح، فهل كانت إعادة الهيكلة كارثة أم أمر لابد منه؟
بالنسبة للكثيرين، قد يختلف أمر “دبي العالمية” لارتباطها بحكومة الإمارة بشكل مباشر، ما يعني أن تخلفها عن السداد هو شأن ذو أبعاد سيادية، إلا أن ذلك يناهض الدعوات في “أيام الرخاء” بضرورة أن تتم إدارة أي شركة حكومية على أسس تجارية بحتة. فإذا كانت الاسس التجارية تتطلب إعادة الهيكلة، هل يجب الخجل في إعلان ذلك حتى لا تتورط سمعة الحكومة؟ كذلك لم تتردد دائرة المالية في حكومة دبي عن التأكيد على أهمية الفصل بين دبي العالمية والإمارة.
وفي إشارة صريحة وجريئة للأسواق، أكد عبدالرحمن آل صالح، رئيس دائرة المالية، أن حكومة دبي لم تضمن قروض “دبي العالمية” عند تأسيس الشركة إيماناً بأهمية اعتبارها مؤسسة مالية مستقلة.
حركة غير مفهومة للأسواق العالمية
تفاعل الأسواق العالمية مع أخبار دبي كان مشوشاً ويصعب تفسيره. بعد إعلان حكومة دبي عن قرارها مساء الأربعاء، تراجعت أسواق الأسهم الأوروبية بشكل طفيف، فيما تجاهلت الاسواق الأمريكية الخبر وفضلت التركيز على جملة من البيانات المحلية الإيجابية. وأغلق “وول ستريت” على ارتفاع رغم حركة الاسواق الاوروبية.
والأسواق الآسيوية من جهتها افتتحت على خسائر مفضلة اللحاق بالمزاج الأوروبي، رغم أنها عادة ما تعكس أجواء الاسواق الأمريكية في الجلسة السابقة. ووسط فيض التحليلات بانهيار الانظمة المالية السيادية، تواصل مسلسل الخسائر في الأسهم الأوروبية. وقفز الذهب لمستوى قياسي عند 1195 للأونصة باعتباره اختيار المستثمرين المفضل أثناء الأزمات. أما الأسواق الأمريكية فكانت تنعم بدفء عيد الشكر، فيم تواصل تحليلات الأخبار العصف بالمساهمين. ورغم عدم وجود أي أخبار أو تصريحات تحمل أبعاداً جديدة حول مديونية دبي يوم الجمعة، إلا أن المزاج قد تحسّن، فالأسواق الأوروبية تلوّنت بالأخضر، وخسرت أونصة الذهب 58 دولاراً من مستواها القياسي.
من ناحيته، نسي المستثمر الأمريكي أنه علم بالخبر يوم الأربعاء، وقرر معاقبة الأسهم ليشارك ما فاته من الخسائر العالمية أثناء عيد الشكر.
أما يوم الاثنين ومع بداية الأسبوع للأسواق العالمية والإماراتية التي احتجبت بعطلة عيد الأضحى، استمر التباين غير المفهوم في الأسواق. فبينما ارتفعت أسواق آسيا وبحدة بعد تصريحات المركزي الإماراتي بتوفير سيولة جديدة للبنوك العاملة في الإمارات، غاب الارتفاع عن كل أسهم البنوك الإماراتية لتهبط وبشدة بمؤشري سوقي دبي وأبوظبي اللذين خسرا 7% على التوالي.
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن لأخبار “دبي العالمية” أصداء في كل أسواق المال، إلا أن ما حدث الأسبوع الماضي ولايزال يحدث هذا الاسبوع قد يعطي دعماً لكل من يعتقد بأن الأسواق تحرك الأخبار تماماً كما تحرك الأخبار الأسواق.
مزيد من المعطيات
المعلومات والوقت قادران على تفسير المنطق من وراء خطوة دبي بإعادة هيكلة ديون مجموعة دبي العالمية. وبدلاً من ردود الفعل العشوائية، ستضمن تفاصيل خطة إعادة الهيكلة الحد الأدنى من المعطيات لرسم صورة أوضح حول هذا القرار وتداعياته.
وإذا تبين أن إعادة الهيكلة تحمل حظوظاً أوفر بالاستمرارية والربحية لـ”دبي العالمية” وبالتالي لدائنيها، وإذا وجدت البنوك العالمية نفسها غير قادرة على معاقبة المنطقة وتفويت الفرص الاستثمارية فيها، سيكون الكثيرون مطالبون بتبرير ما وصفوه في يوم من الأيام “بالزلزال المالي الكبير في دبي”.
العربية نت