لم تكن لحظة تسميته أول سفير سوداني جنوبي إلى إسرائيل، هي المرة الأولى التي أسمع فيها باسم (روبن مريال بنجامين)، إذ كنت قرأت له مقالاً نشر في 8 سبتمبر 2010م، على موقع (سودان للجميع)، تحت اسم (قوافل الاستهبال من الشمال إلى الجنوب لتحقيق وحدة أوانطية جاذبة)، لا زال راسخاً في ذهني. ورغم أنه استعرض فيه الكثير من الحقائق والوقائع والحيثيات، لكنه توسل إلى تلك (الحقائق) بلغة جارفة عاصفة وغاضبة، تكاد تقتلع عينيك وأنت تجوس بهما في متن المقال (الهبباي) الذي ابتدره بـ: “من يشاهد هذه الأيام معظم القنوات التلفزيونية في السودان يجد أن هنالك توجها استهباليا لإقناع الجنوبيين ليصوتوا لصالح الوحدة”.
ثم دلف إلى لب الموضوع فلخصه كالتالي: “شاهدت أن هنالك فنانين يغنون بلغة الدينكا والنوير والباريا والشلك، يغنون أغاني لا يفهمون معناها بل همهم فقط من هذا النهج تحقيق (وحدة أوانطية). طيلة (54) عاماً لم يفكر أي من هؤلاء أن أصحاب هذه الأغنيات سودانيون، ولكن وفي الزمن الضائع وبعد أن أدركوا أخيراً أن الانفصال آتٍ لا محالة، وفي هذا التوقيت يحلمون بتحقيق وحدة استهبالية”.
ما لفت نظري في المقال كما أسلفت هو لغته العنيفة، و(هذا توصيف وليس توبيخاً)، بالطبع. ولذلك (دق المقال على رأسي)، حينما سمعت أن (روبن) سُمىّ سفيراً إلى إسرائيل، فعدت إليه واقتطعت منه بالطريقة أعلاه ثم أعدت فيه البصر كرتين، فانقلب خاسئاً وحسيراً؛ إذ أن من يستخدمون لغة عنيفة أقرب إلى العقدية هم أكثر الناس فشلاً في المهام الدبلوماسية.
وبناءً على ذلك طفقت أبحث عن حيثيات أخرى تبرر تسميته سفيراً، فكانت صحيفة (الشرق الأوسط) التي أكدت أن (روبن) هو شقيق وزير الخارجية (برنابا مريال بنجامين)، الذي شكا في غير مناسبة من أن 90 بالمائة من سفراء (جنوب السودان) أقرباء للرئيس (سلفا كير ميارديت) سمى منهم سفراء الجنوب في كل من (إيطاليا، إريتريا، كينيا، إثيوبيا، السودان، النرويج، الولايات المتحدة، الأمم المتحدة، مصر، ونيجيريا).
ورغم انتقادات (برنابا) لـرئيسه، حينما كان وزيراً للإعلام، ها هو يذهب مذهبه، ويمضي في سبيله، فيُعين شقيقه سفيراً لدى إسرائيل، و(كأنك يا برنابا ما غزيت).
بالطبع، ولأن هذه أمور داخلية، لذلك علينا التأكيد مُجدداً بأننا هنا لتوصيف الحالة وتشخيصها بناءً على المقال الناري لـ(روبن) الذي وصف فيه الشماليين بالـ(الأوانطجية والمُستهبلين)، وأشار إلى أنهم عنصريون، وعطفاً على الانتقادات اللاذعة التي وجهها شقيقه وزير الخارجية الحالي، إلى (سلفا كير) واتهمه بأنه يعين أقرباءه دون سواهم، فإذا بالشقيقين يقعان في ما أبديا غضبهما وتذمرهما منه، (الاستهبال، والأوانطة، والعنصرية) التي وصفا بها الشماليين و(سلفا كير).
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي