وإذا كان البعض مثل العمدة عثمان تيوت يقول بسودانية منطقة بئر طويل وهي أرض قبيلة العبابدة وهم أهل مصطفى سعيد أحد أبطال رواية «موسم الهجرة للشمال» التي ألفها الأديب الراحل الطيب صالح، فإن العمدة على حق، حتى ولو جاء في بعض الوثائق أن مستر بول الذي كان في عهد الاحتلال البريطاني حاكماً لمديرية كسلا «الاقليم الشرقي»، قد قام بترسيم حدود الإقليم السوداني مع الحدود المصرية ووضع منطقة العبابدة «بئر طويل» داخل مصر. فالمنطقة تقطنها قبيلة سمراء وهي أقرب الى المجتمعات السودانية من نواحٍ كثيرة أهمها الزي الذي يرتديه رجالها ونساؤها رغم تجني مستر بول. وهذا لا يعني بالمرة أن تكون حلايب مصرية، وإذا كانت مصر أصلاً دولة عربية وقبطية، فإن منطقة حلايب سكانها أصلاً من «البجا» وليست هناك قبيلة مصرية تتبع للبجا اطلاقاً، وهذا يعني بهذا المعيار التاريخي أن حلايب سودانية أكثر من بئر طويل.
والحقيقة التي لا يمكن أن تنهدم أمام مخططات وحيل المتآمرين، هي أن الترسيم الحدودي بين مصر والسودان كله باطل، من البحر الأحمر الى جبل عوينات غرباً. فقد أدخل إثنيات سودانية مائة بالمائة «سودانية وليست بيضانية» داخل دولة «بيضانية» من النوبة. ولا يكفي فقط أن تكون حلايب وحدها داخل السودان، فشمال حلايب وشمال وادي حلفا بآلاف الكيلومترات هي أرض سودانية. والاثنيات المصرية «البيضانية» تبقى حدودها ممتدة من شمال بورسعيد الى شمال أسوان، ولا علاقة لها بجبل عوينات. وحتى سلطات الاحتلال البريطاني لو كانت ترى وقتها أن نزع حلايب من إقليم البجا السوداني وضمها لمصر يمكن أن يخلق فتنة مستقبلاً لما أضاعت فرصة صناعة هذه القنبلة الموقوتة، ومعلوم ماذا فعل البريطانيون في ترسيم حدود السودان الجنوبية «السودان القديم»، فيوغندا تحتل منطقة «قولو».. وكينيا تحتل مثلث أليمي. لكن بعد انفصال الجنوب أصبحت هاتان القضيتان الحدوديتان من الشؤون التي تخص جوبا، فما عادتا من هموم الخرطوم. فقد انفصل كل الجنوب بقولو وأليمي، وسعى ليجر معه أرض المسيرية في أبيي. فحكاية السودان مع الأراضي المحتلة حكاية عجيبة. ولو كان البريطانيون تجنوا على السودان في مسألة أرض حلايب وضموها هم بواسطة مستر بول لمصر كما فعلوا ببئر طويل، لقال المصريون بعد استقلال البلدين إن المنطقة مصرية بامتياز لأن الاحتلال البريطاني أدخلها هناك.
لكن الآن يقولون إن الاحتلال البريطاني مُخطئ في الترسيم، لكن البريطانيين لم يجدوا ما يجعلهم يضمون منطقة لا عربية «بيضاء» ولا قبطية إلى مصر العربية «البيضاء القبطية»، إنها منطقة البشاريين وتقع في اقليم البجا وهو جزء من الإقليم الشرقي في السودان.. فهل يا ترى يرى المصريون أن قبيلة سودانية طردت من حلايب مصريين بيض البشرة؟ من هم إذن؟! التساؤل مطروح على الإعلام المصري، ثم إن بئر طويل سودانية ولو صلحت للسكن مرة أخرى سيعود إليها أهلها العبابدة.. وحلايب سودانية وهي صالحة للسكن البشري.
الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة