أصبحنا انصرافيين.. لا نكترث إلا للصغائر.. ولا نهتم سوي بالأمور الثانوية.. ولا يسترعي انتباهنا غير السفاسف!
القضايا المهمة لا نتوقف عندها طويلا وردود أفعالنا تجاهها لا تعدو كونها تعبيرات عارضة ومؤقتة سرعان ما تذروها رياح الانصرافية!.
الأحداث الكبيرة تمر مرور الكرام.. ولا تبقى في الواجهة سوى بضع لحظات، ثم سرعان ما تحتل الصدارة تلك الأخبار الساذجة المتعلقة بالأشخاص أو الحكايات والأحاجي التي تصلح للتداول و(الونسة)!!
قد تعد هذه سلبية وربما خوفا.. المهم أن النتيجة واحدة.. وهي أننا نظل ندور في فلك ضبابي من اللاموضوع.. حتى تحولت حياتنا لسلسلة من الأيام الباهتة والمتشابهة يسيطر عليها طابع الرمادية والملل.. أحلامنا هلامية.. وأيامنا كئيبة.. ونحن ساخطون في صمت.. نكتفي بمصمصة شفاهنا ونتنهد.
أسهل ما يمكن أن ينجح فيه أحدهم إلهاؤنا بحكاية إسفيرية أسطورية نتداولها بسرعة البرق ونهدر فيها لقاءاتنا وحواراتنا ومكالماتنا الهاتفيه.. بل ونبرع في زيادة فصولها وتفخيم أحداثها بإضافات (ومتبلات) تجعلها أشهى وأمتع!!
وحبذا لو كانت خوضا في أعراض الغير والتعرض لحياواتهم الخاصة وتأليف القصص حولها بكل ما ينال منهم.. يندر جدا أن تأتي على سيرة أحدهم في مجلس ما فيمضي الجلاس في مدحه أو الحديث عنه بما يسر ويرضى..!
ما إن يرد اسم ما لا سيما لو كان معروفا -حتى يهب السواد الأعظم لتبخيس قدره وتشويه سمعته والتأكيد على زيفه وكونه ليس كما يبدو وأن حقيقته أقذر مما يبدو عليه بكثير!
كل ذلك بعيدا عن أي واعز أو ضمير.. متناسين ما يحثنا عليه الدين الحنيف من ستر وما ينهانا عنه من الخوض في أعراض الناس واغتياب وبهتان!
كل هذا ونحن في أشد الحاجة للتفاكر والتشاور في أمور البلاد والعباد والسعي نحو الإصلاح والإنجاز وتقديم كل ما يلزم من أجل الوصول لطريقة مثلى تكفل لنا حياة كريمة في ظل العدل والإنسانية!
لماذا لا نمضي أوقاتنا في الاجتهاد لتطوير أنفسنا وتفعيل الوطنية بأعماقنا وإيقاظ الضمائر واحترام بعضنا البعض والإخلاص في العمل كل في مجاله..؟!..
لماذا لا نحارب الفساد والمحسوبية والبيروقراطية ونتراحم ونترفق ببعضنا البعض؟!
لماذا لا نبرع في الاختراعات والعلوم والبحوث وتطوير المشروعات ونيل الدرجات العلمية بذات القدر الذي نبرع به في استنساخ المغنين والاحتفاء بأنصاف المواهب والانجراف وراء صرعات الموضة؟.. وحتى هذه لا نملك فيها البراعة الكافية!
لقد أصبحنا شعبا حائرا .. فاقدا للهوية.. مسخا مشوها من شعوب أخرى.. نمعن في التقليد دون أن نجيده ونهتم بتفاصيل الخارج أكثر من أنفسنا.. نتبنى مواقف خارجية مضحكة وبيتنا الداخلي تعمه الفوضى!!!!
نحن شعب.. (يعاين في الفيل).. يحفظ ملامحه عن ظهر قلب.. ويعرف مكانه تماما.. ويستلذ مكتفيا بالطعن في ظله!!!!
تلويح:
ما بين دارفور وغزة.. وحكاية الدكتورة مريم وحاويات المخدرات.. وأكاذيب الواتساب وحقيقة كون (الطعميتين) بي جنيه.. فروقات شاسعة.. وغيبوبة طويلة لو تعلمون!
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي