عاد حاج (محجوب) إلى المنزل بعد أن توقف هطول الأمطار وانساب جريان المياه إلى خارج القرية، وعندما حكى لحاجة (نعيمة) والأولاد عن (الدابي) الذي قام بقتله، تأثر الجميع فتفاعل الأبناء إيجابيا مع الحدث وطلبوا من أبيهم أن يخبرهم عن مكانه ليذهبوا لرؤيته، أما حاجة (نعيمة) فقد توجست شرا وقالت بهم:
هسي الوداك تكتل الدبيب شنو ياحاج ؟ ماك عارفو بشيل التار؟ أها عاد أعمل حسابك وارجا أهلو اليجوك !!
أدخلت حاجة (نعيمة) بمخاوفها (الضبانة) على قلب حاج (محجوب) ولكنه سارع بطردها وتناسى الموضوع.
وبعد عدة أيام توضأ الحاج وأسرع للغرفة وتناول (الجلابية) من مسمار على الحائط و(قلبا فيهو)، وهم بالخروج لادراك صلاة المغرب جماعة بالمسجد .. عندها أحس بحركة جسم غريب وبارد على ظهره يتحرك داخل الجلابية، فأسرع بشد الجلابية بكل قوته إلى الأمام وقبضها على صدره بكلتا يديه ثم بدأ في الصياح:
الحقوا يا أولاد .. نادوا لي الحاجة وتعالوا علي بسراع !
تجمع الأولاد وجاءت الحاجة وهي تجر ثوبها على الأرض خلفها وتسأل:
في شنو يا حاج ؟ خلعتنا بالكوراك … مالك الحاصل شنو يا راجل ؟
قال حاج (محجوب) وهو يقبض على الجلابية بتشنج:
أول حاجة يا جماعة نحمد الله من قبل ومن بعد ونرضى بي (قسمتو) .
الحاجة: ده كلام شنو ياحاج أصلك دار تموت؟
أجاب الحاج : آي ياحاجة .. الدابي الكتلتو يوم المطرة جا واحد من أهلو ولبد لي جوه جلابتي وأنا لبستها ما عارف.. ودحين هسي أنا ما سكوا بالجلابية شديد عشان ما يفرفر.. لكن إن فكيتا ياهو الماشي يعضيني وأموت.
تعالت صيحات الفزع بين الأولاد، وفغرت الحاجة فمها دون أن تستطيع الكلام، وبدأت إبنته في النهنهه والبكاء .. واصل الحاج:
لالا يا أولاد ما دايركم تتجرسوا .. الموت علينا حق والحياة باطلة.. ودحين أسمعوا وصيتي النوصيكم .
تعالى بكاء الإبنة ووضعت الحاجة كلتا يديها على هامة رأسها، قال الحاج موجها كلامه لابنه الأكبر:
وصيتي ليك أمك وأخواتك .. أمانة في رقبتك بعدي .. تبقى في محلي وتسد فرقتي .
واصل الحاج التوصية ففصّل مستحقاته وديونه على الناس وحسب حبال الواطة وشراكته لعمهم ثم التفت للحاجة ثم قال:
بدورك تعفي مني يا الحاجة ..في شيتا سويتو ودسيتو منك.
قالت في حيرة : قول يا حاج داسي مني شنو؟
أجاب في تسليم: أنا رامي لي حبل في مرتّا من حلة العكراب وعندي منها ولد.
قالت فزعة: سجمي.. حبل ؟ يعني أنت معرس فيني ياحاج ؟ أهي يا راجل يا ما بتختشي.
قال: هسي دا ما وكتو يا حاجة.. أعفوا مني كلكم .. ودعتكم لي سيد الوداعة ونبي الشفاعة .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ..
عم الصمت وأرخى حاج (محجوب) قبضته عن الجلابية ليسقط من داخلها ضب كبييير !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com