لماذا يهتم الناس هذه الأيام بأخبار المؤتمرات التنظيمية للحزب الحاكم من المحليات إلى الولايات ثم المؤتمر العام؟ والسبب واضح.. إنه الحزب الذي يقرر مصائرهم، ويقود البلاد فترة خمسة وعشرين عاماً يتحكم في مفاصل السلطة ومتغلغلاً في المجتمع ويرسم السياسات ويحدد الاتجاهات ويصوغ الحياة العامة.
وتوجد فرصة لهذا الحزب، بغض النظر عن تقييم فترة حكمه للبلاد، بأن يقدم تجربة جديدة وفريدة في العمل السياسي والإصلاح والتغيير، لو أحسن التعامل برشد مع معطيات الواقع الشاخصة أمامه، وظهر للناس أنه قد اكتنز بالشورى وتوجه نحو المفاهيم الأكثر تعبيراً عن الديمقراطية والحرية وقبول الآخر.
ولفت نظرنا ما قاله أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني أمس الأول، حول ترتيبات وكيفية اختيار مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، خلال المؤتمر العام المنتظر انعقاده في السادس والعشرين من الشهر المقبل، فالمرشحون لمنصب الرئيس يختارهم أولاً المجلس القيادي وهي هيئة حزبية تضم أعضاء المكتب القيادي وأمناء المؤتمر الوطني بالولايات، يختار خمسة أسماء يقدمها لمجلس الشورى الذي ينعقد في اليوم التالي مباشرة من اجتماع المجلس القيادي، وربما يكون التوقيت المتتابع مقصوداً منه منع الاستقطابات والأساليب غير المقبولة في حصد الموالاة.
وتتداول اجتماعات مجلس الشورى حول الأسماء الخمسة ويتم اختيار ثلاثة منهم، ثم يتوالى التمحيص والفرز داخل الشورى حتى التوافق على مرشح واحد، ليتم رفعه للمؤتمر العام الذي بدوره يحدد إما القبول به أو رفضه، ففي حال الرفض يطلب من الشورى تقديم أحد الباقين من الثلاثة الذين اعتمدتهم.
وهذا النظام يبدو مرناً ومحكماً وناجعاً ويتيح سانحة أكبر للممارسة الشورية، ويعطي فرصة في كل مراحل الاختيار للجرح والتعديل والمناقشة على مستوى المجلس القيادي ومجلس الشورى والمؤتمر العام الذي تبلغ عضويته الآلاف.
لكن منذ متى كانت اللوائح التنظيمية وآليات الاختيار هي وحدها المعول عليها في إخراج عملية اختيار المرشح على النحو المطلوب؟ فهناك عوامل أخرى مؤثرة للغاية لكنها غير منظورة، لا تشملها المعايير المعلنة في عملية الاختيار، فمن الواضح أن هناك اعتبارات لا بد من مراعاتها في كل المراحل لاختيار المرشح، وباتت هناك مسائل معقدة تحتاج بالفعل إلى مناقشتها بوضوح ومنطق سليم، فالمرشح لا بد أن يحظى بشبه إجماع من ناحية قدرته على جمع الوجدان الوطني، ويشعر الغالب من السودانيين بأنه يمثلهم ويعبر عنهم ويثقون فيه، ففي السنوات الأخيرة الماضية حدثت متغيرات في المجتمع السوداني وجرت وقائع حطمت الكثير من الروابط وصنعت نفوراً وجدانياً لدى بعض الناس، وتعالت الأصوات التي تتحدث بهواجس مناطقية وجهوية مغالية، وهذا يحتاج إلى معالجة ونار هادئة لتسويته وتجاوزه بكل مراراته وجراحاته وإحنه.
وتبدو الدولة نفسها ومؤسساتها الفاعلة ذات الواجب الأكبر في الحفاظ على البلاد ووحدتها وتماسكها، قلقة وحائرة لما اعترى اللحمة الوطنية من تمزق وتشتت، ولا بد من وجود قيادة قادرة على الإمساك باهتراءات النسيج الوطني ورتقها، وتستطيع مجابهة المخاطر التي تواجه الالتحام الوطني والاجتماعي المهدد بمزيدٍ من التباعد.. ولو لم تتوفر القيادة المقبلة على منهج وشعار وقدرة على جمع الكلمة والصف، فإن بقاء السودان على ما هو عليه أمر يصعب التكهن به بناءً على ما نراه من حروب وصراعات ومواجهات وتنازع حتى بين أبناء الرجل الواحد.
ومن الصعب كذلك تقبل فكرة أن أجزاءً كبيرة من مناطق السودان المختلفة قد تسكت عن الإفصاح المبين ولا تعبر عن أفكارها وطموحاتها ورغبتها في إعادة التوازن لمعادلة السلطة والثروة في البلاد بما في ذلك قيادة الدولة وحكمها، فداخل المؤتمر الوطني يوجد هذا النوع من التفكير، فلو كان الاختيار يأتي عكسياً من المؤتمر العام ثم الشورى إلى المجلس القيادي، لرأى الناس عجباً في عدد المرشحين وانتماءاتهم الجغرافية.
ومع كل هذه الملاحظات، لا يساور الكثيرون شك في أن الحزب الحاكم قد صمم لوائحه وآلياته وأجهزته ومؤتمراته، لتعطي نتيجة مقبولة دون خسائر وكلفة باهظة.. لا مجال فيها للتجاذب والتنازع، فهناك قيادات مجمع عليها ورموز لا يختلف حولها، ستكون هي محل الترشيحات ولن يصعب الاختيار في نهاية الأمر ولو كيفما اتفق!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة