-1-
بالأمس، نقلت لكم في هذه المساحة الرسالة الموجعة، التي خطّها الكاتب الصحفي الكبير جعفر عباس (أبو الجعافر)، عن حدث مفجع ومخجل وقع بكوستي.
القصة باختصار:
الرجل وحرمه المصون، قاما ببناء وتجهيز مرفق صحي خيري بكوستي لعلاج الأطفال، وتكلفة المشروع تجاوزت المليار.
يقول جعفر عباس:
(قمنا بتزويد العيادة بمختبر بلا نظير في أي مستشفى خاص أو حكومي، مع ثلاجة كبيرة لحفظ مواد الفحص والأدوية، وأثّثنا أربع غرف للكشف الطبي، وغرفة للتغذية، وصالتين لانتظار مرافقي الأطفال المرضى بمقاعد وثيرة، وعنبرين، يتسع كل منهما لـ16 سريراً، للإقامة القصيرة للمرضى، وزوّدنا كل سرير بمراتب طبية وملاءات وكومودينو، وكرسي للمرافق، كما
زودنا غرف الأطباء بالمكاتب وطاولات الكشف، وكل ما يلزم الطبيب من السماعة إلى ميزان الأجسام وثيرمومتر قياس درجة الحرارة، وقمنا بتركيب أجهزة تكييف حديثة تعمل بالغاز، لأن النوع الذي يعمل بالنظام المائي عبر فلتر من “القش”، لا يصلح للمستشفيات، ويسبب تعقيدات صحية للمصابين بالربو وأمراض الجهاز التنفسي؛ وباختصار جهّزنا العيادة بحيث تكون
قادرة على استقبال الأطفال المرضى بعد افتتاحها بنصف دقيقة).
الفاجعة ما رواه أبو الجعافر بعد ذلك:
(قبل فترة قصيرة، قامت إدارة المستشفى بتعطيل كافة المكيفات في العيادة، وعندما تعالت الشكاوى والاحتجاجات تعلّلت إدارة المستشفى بأن استهلاك المكيفات من الكهرباء مرتفع جداً، ثم اتضح أن هذا التبرير تمهيد لتصرّف أقل ما يقال عنه إنه لا أخلاقي، فبلا أدنى إحساس بالحياء أو تأنيب الضمير، تمّ نزع المكيفات من العيادة ونقلها إلى مكاتب الإدارة، لينعم المسؤولون
عن صحة الطفل بالهواء المنعش، و”يفطس” الصغار والرضع من الحر)!.
-2-
لا حول ولا قوة إلا بالله.
ما حدث بكوستي يقدم عينة نموذجية لسلوكيات إدارية تجدها في أغلب أجهزة الدولة.
سلوكيات إدارية تزدري المواطن وتستهين بكرامته وتنتزع حقوقه، (بعين قوية)، وضمير معطوب ووجدان معاق، لا تكترث لحسيب أو رقيب ولا تخشى جزاءً ولا عقاباً.
الامتيازات والفرص للموظفين ومتخذي القرار الإداري؛ والذلة والمهانة لطالبي الخدمة من المواطنين!.
-3-
في مرفق حكومي بالخرطوم يرتاده المواطنون مجبرين- تمتنع الجهة المسؤولة ذات الطبيعة الإدارية، عن تشغيل مراوح الهواء في الصالة العامة، حفاظاً على الكهرباء ودون مراعاة لسخونة الطقس (نصف درجة غليان الماء).
في مكاتب كبار الموظفين بذات المكان، تشعر كأنك داخل ثلاجة موز، موجات الإسبيلت الباردة تأتيك من كل اتجاه.
يستكثرون على المواطنين هواء المراوح، ويستأثرون بموجات الإسبيلت الباردة!.
مكان واحد ومناخات متعددة!.
-4-
هذا ما يفسِّر حالة الغبن والغيظ التاريخي، من قِبَل أغلب المواطنين تجاه رمزيات الدولة والسلطة في كل الحكومات.
التعامل مع كل مرافق الدولة يتم بعنف وعدوان.. وربما في ذلك انتقام للحظات الانكسار أمام نوافذ الخدمات العامة، وسوء المعاملة في مكاتب الحكومة.
بعض المرافق الحكومية بدأت تجاوزَ تلك العقدة التاريخية. أظن أن الشرطة والكهرباء، هما الأفضل في التعامل مع الجمهور، على الأقل من حيث تهيئة أماكن الخدمة وسرعة إنجازها.
-5-
نهار أمس، أرسل إليّ جعفر عباس الصورة المنشورة في هذا العمود، مصحوبةً بتعليق:
(لاحظ يا ضياء.. إنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء سد فتحات المكيفات المسلوبة).
لم يغطوا سوأة فعلهم حتى بكرتونة من طرف الشارع!.
ما الفرق بين ما فعله هؤلاء، وما يفعله قطَّاع الطرق ولصوص الليل؟!
قطَّاع الطرق ولصوص الليل أفضل منهم، لأنهم لا يسرقون حقوق الأطفال.
أعيدوا المكيفات لأصحابها، لعلَّ وعسى تتقون في يوم القيامة ظلاً ذا ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني عن اللهب.
[/JUSTIFY]
صحيفة السوداني