* كان يطبب مثلما يغنى، ويغنى مثلما يطبب، أجمع عليه كل الناس والتفوا حوله وأحبوه ، فالطب عنده كان إبداعا وموهبة وفنا راقيا، مثلما الغناء، الذى تعلق به وأحبه وأجاده، ولم يبخل به على الاصدقاء والزملاء فى كل مكان وزمان ، ولم يتخلف أو يعتذر عن أى محفل دعى إليها مهما شغلته المهنة أو تكالبت عليه مشاغل الحياة، وعندما يخلد لنفسه كان العود وعثمان حسين دائما معه !! كان هو وأغانى عثمان حسين (روح واحدة فى جسدين) كما يقول أبو عفان فى فى إحدى روائعه، ولا يبدو لى ذلك غريبا فطبيعة أغانى عثمان حسين التى يمتزج فيها الاداء مع الموسيقى بعذوبة وهدوء وسلاسة شديدة، لم تكن تختلف عن طبيعة حياته الهادئه الرقيقة الشفيفة !!
* وكذلك كان مع مرضاه .. ( روح واحدة فى جسدين)، فقد بلغ اهتمامه بهم مبلغا كبيرا لدرجة أنه لم يكن يفصل بينه وبينهم، وكان عطوفا وعاطفيا بدرجة كبيرة ، وقد يفسر لنا ذلك لماذا اختار طب الاطفال تخصصا له، ومارسه بحب واخلاص وعاطفة كبيرة، وكان هو نفسه طفلا بريئا فى ملابس طبيب على أعلى درجة من الموهبة والمقدرة والانسانية، ولم يكن غريبا أن يكتسب كل الاحترام ويشغل أرفع المناصب فى كل الدول التى عمل بها بدءا من السودان بعد تخرجه من إحدى الجامعات الروسية فى عام 1976 ثم ليبيا والامارات العربية بعد حصوله على الزمالة فى طب الاطفال من بريطانيا فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، ثم اخيرا بريطانيا التى هاجر إليها فى عام 1994 ليعمل بها طبيبا اختصاصيا مرموقا فى طب الاطفال حتى وفاته فجر الاثنين الماضى بمنزله فى مدينة ردينج البريطانية !!
* ولم تختلف حياته مع أقرانه وزملائه فى كل المناطق التى عاش فيها منذ مرتع صباه فى شمال السودان ثم بورتسودان التى درس فيها المرحلة الثانوية، ثم روسيا التى حصل فيها على بكالريوس الطب والجراحة، ثم الاماكن والدول التى عمل بها. كان منهجه دائما هو نفس المنهج .. ( روح واحدة فى جسدين) ، ومن الطبيعى أن يكون هذا هو منهجه مع زوجته السيدة الفاضلة إلهام دياب وابنائه الستة الذى كان بمثابة الصديق العطوف لهم قبل ان يكون الزوج الوفى والوالد الحنون، ومع اصدقائه الكثيرين وأقربهم إليه الدكاترة هاشم بيومى وصلاح عمر وصالح خلف الله ويعقوب عبد الماجد ونور ابراهيم نور وعبد الحميد الفكى، والموسيقار الرائع أزهرى عبدالقادر نور الهدى الذى كان بمثابة التوأم له وكان يرافقه فى معظم حفلاته للأصدقاء والزملاء فى بريطانيا والسودان، وغيرهم . والله إننى أخشى عليهم من هذه المصيبة الفادحة لشدة ارتباطهم بالراحل العظيم ، وأرجو من الله أن يشملهم بعطفه ويلهمهم الصبر والقوة ورباطة الجأش فى هذه اللحظات العصيبة والصعبة جدا عليهم.
* رحم الله الانسان الجميل والطبيب المرهف والفنان المبدع الدكتور زروق الحسن الجزولى الذى فارقنا بدون وداع، وكأنه يحنو علينا من لحظة صعبة نراه فيها متألما أو مهموما، وهكذا كان رقيقا وكريما وحنينا فى موته مثلما كان فى حياته، فإلى جنات الخلد يا أكرم وأحن وأجمل الرجال، ولن ننساك أبدا إنشاء الله مثلما كنا حاضرين دائما فى قلبك الكبير وفنك الرائع !!
drzoheirali@yahoo.com
جريدة السودانى، 21 يونيو، 2009