الحكاية الشعبية عن الشلاقة تقص عن نسر وحمار جلسا متجاورين في رحلة جوية..وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرة تحلق على إرتفاع شاهق، أصاب داء الشلاقة النسر مستندا على معرفته وخبرته بفنون التحليق والطيران ،فبدأ في اصدار توجيهاته للكابتن بلهجة امرة وساخرة ( لف يمين، لف شمال، دوس فرامل، كمل الأبانص الخ)..تضجر الكابتن من تدخلات النسر، وأمر أفراد التأمين بالطائرة بالتخلص من ازعاجه ، فقذفوه من النافذة.. لم يتعظ الحمار من درس شلاقة النسر رغم عدم خبرته بفنون الطيران مثل جاره المقذوف، وبدأ يصدر توجيهاته (لف يمين، انحرف شمالا، دوس فرامل، حاسب قدامك سحاب الخ) استاء الكابتن وأمر أفراد التأمين باخراس الحمار أيضاً، فقذفوه من ذات النافذة التي قذفوا منها النسر ليخرس للأبد.. في الفضاء العريض وقبل أديم الأرض بنحو نصف ميل، سأل النسر رفيقه (بتعرف تطير؟)، أجاب الحمار مرتعدا ( لا والله، الحل شنو؟)، غادره النسر محلقاً بعيدا وصفعه بالنصيحة الصادمة (وكت ما بتعرف تطير، الشلاقة العليك شنو)…وحين نسأل ولاية الخرطوم (هل أنت مسؤولة عن السياسات الاقتصادية القومية الكلية) فلا تملك الا أن تجيبنا ب(لا والله) فقد حق علينا اذن أن نقول لها (وكت ما مسؤولة عنها الشلاقة العليك شنو)،فمن شلاقة الولاية أنها تصدت بالأمس لتنفي ما نقلته الصحف الأول من أمس على لسان وزير مالية الحكومة الاتحادية حول رفع الدعم،فحتى لو صح تصحيح الولاية كان الأصوب والأجدر أن يخرج من لسان الوزارة الاتحادية، وليس الولاية باعتبار أن رفع الدعم أو بقائه ومتى يطبق ومدى تطبيقه شأنا قوميا اتحاديا وليس ولائيا يخص الخرطوم وحدها،ولكنه اختلاط الحابل بالنابل والجوطة التي حين سادت من قبل جعلت وزيرا في قامة المرحوم محمد توفيق يخرج من الوزارة مغاضبا ليقول (لقد خرجت من الجوطة)،وهي ذات الجوطة السائدة الان فلا تدري ما هو قومي من ما هو ولائي وما هو حزبي من ما هو حكومي وماهو رسمي من ماهو شعبي وما هو شعبي مما هو وطني،وما هو لله والوطن وما هو للحزب والجاه وما هو للعامة وماهو للخواص وهلمجرا من خلط ومزج وتماهي…
وعلى ذكر شلاقة ذاك الحمار لا يمكننا مبارحة هذا المقام من غير اشارة ولو عابرة لحادثة ذبح حمير واعدادها للتسويق،فمن نذر هذه الحادثة وعظاتها أنها تنذر بمدى الزلزلة والخلخلة التي بدأت تنخر في البنية الاجتماعية للمجتمع،حتى أصبح ما كان مستحيل التحقق مما جرت به الامثال الشعبية واقعا يتحقق أمام ناظريهم،ومن ذلك المثل الذي يقول(شوق الحمير للضبح)،والذي يضربه أهل السودان على من يشتهي أو يشتاق لشئ صعب المنال عصي النوال مستحيل التحقق مثل استحالة ذبح الحمير،كما يستخدمونه أيضا في حالة التعبير عن الشوق العارم،كأن يلتقي أحدهم فجأة بعزيز لديه طالت غيبته فيحتضنه بقوة ثم لا يجد تعبيرا ينقل به لواعج شوقه اليه أفصح من عبارة(والله مشتاق ليك شوق الحمير للضبح)،ولكن للأسف هاهي هذه الحادثة تنسف هذا المثل وتجعل من ذبح الحمير شيئا ممكنا ومتاحا…
[/JUSTIFY]بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي