حين ..أكتب

[JUSTIFY]
حين ..أكتب

أطلق العنان يا قلمي، فكل يوم لنا موعد مع الألم ونرى سيلاً من الدموع وبركاناً من الدماء في دواخلنا فنمتنع حتى عن البكاء.. هل هي نهاية أم بداية هذا الطريق ..هل ينتهي الأمل أو يتجدد بريقه العتيق.. وهل أصبت عندما نشرت أمامي أوراقي وتماديت وأشعلت فيها الحزن كالحريق ..

أعلم أن فؤادي لا يستطيع أن يتغيب عنه حبيب، ولا حياتي تظل بلا رفيق.. وأعلم أني بتُ غارقة في نهر عميق، والأيام تزداد ضيقاً يلي ضيق.. ومشاعري وأحاسيسي باتت لا مكان لها في جسدي.. أرى دنيا مظلمة .

والشمس فوق رأسي.. أصبحت أنهار من أدنى عاصفة، وأخاف حتى من ظلالي وأنزوي في زمن الصمت

وأتسأل هل أستكين أم أجعل الأقدار تختار لي الطريق؟ ..

لكني أدرك أنني لست وحيدة.. معي آلاف الجراح وآلاف الأمنيات ومئات من الذكريات وعشرات من عطرات الفواح ..

لست وحيدة.. فالوحدة أنت ورفيقه أنا.. وأولى خطواتها صفحات من دفتر مذكرات ومفتاح ..

لست وحيدة.. فمعي بعض من النوتات الموسيقية ومزمار سميته النواح ينوح على آلامي كلما تراقصت أصباعي عليه .

لست وحيدة.. إلى جانبي ينام طفل أفكاري.. كلما ناظرته أرتاح.. وجهه وعيناه يوحيان لي بأن الأمل دوماً في طور النمو يكبر ويزداد اتساعاً ..

لست وحيدة.. فبدموع الحزن أنسج خيوط الأمل وينفرد قلبي بهتاف يصرخ.. أرقب انبلاج الفجر الآتي أنتظر غيثاً.. مطراً.. يغسل خفقان القلب المتعب.. فيخضر ألواناً فتغرد ألوان الطيور محملة لي ألحاناً بنسائم الأجواء العطرة ..

هاهي الآن تجوب بساتيني رواية تطوي المسافات الطوال.. فتضحك لها الأرض وتداعبها خطوات الفرح، تجمع في سلتها الوردية عناقيد الحب المصفى بين أعشابها المرمرية.. تسبح في جداولها فتضئ الشواطئ الذهبية.. تعانق الحلم فتذوب ارتياحاً ..

أعلم أني أكتب ..والكتابة نعمة.. وأرسم من حروفي جنة أهرب إليها من جحيم الغادرين ..

وأعلم أني كم صغت من همومي نسمة أسعد بها أفئدة كل المحرومين ..

وكم نسجت من خيالي قصة جسدت فيها الابتسامة والأنين فاجعل لمن يقرؤها عبرة تسطر في نفسي أحلى ذكرى ..

أحيا وأوراقي لي صديقة، وقلمي كثير ما يشفي جراحي الحزينة.. تسكن بعيني حين أكتب الدمعة.. فتنساب شعراً وتحكي ما آل إليه الحال.. يمحو وحدتي ويجف دمعي وأطرد الأسى والشجن والبكاء

وحين أكتب تهرب حواسي مني وتنسحب روحي إلى دنيا تظل عالقة بين الأرض والسماء.. تجوب كل الأمكنه تزور كل الأفئدة.. أسبح في بحار الشوق وتصبح سماء العشق فلكي.. وأجوب في دروب الحب حين أضل دربي ..وأردد ..

أنت مازلت وكنت.. ملء عيني وملء سمعي وملء وهمي والتظني.. ملء ماشئت وشاءت روحك ..

فأنت كالصوت القابع في داخلي إلى اللاحدود.. تناثرت في بقايا مرافئ روحي وتلاشت حدود مدينتي فيك

بك ولدت وبك كبرت.. ورسمت بالسحاب أماني.. وعلقت بذاكرتي كل الخيالات وبنيت أحلاماً كبيرة بك مفعمة بالحياة.. رسمناها على الرمال.. على شواطئ البحار.. على لوحات الفن بريشة لُطخت بكل الألوان رقصنا على حواف البراكين رقصة الموت والحياة.. وعزفنا على أسطح العالم كيف نعيش وكيف نتعايش ..

تمسكنا بواقعنا.. وهدهدنا ليالينا وسقينا أمانينا رحيقاً من أزهارنا ورفعنا شعارات الصمود والقوة ..

لا يأس.. قم وانهض ولنصنع أحلاماً كبيرة.. ولنفتح صفحة جديدة لنسكب فيها كل جديد، كل جميل، كل مستقبل وكل حياة ..

**قال لي (أبي) ذات مرة :

تبسمي فهناك من يتمنى لك الخير.. وسوف يأتي إن تأخر ..

ثابري على طيبتك وعيشي متفائلة.. محبة للخير، فالحياة حلوة فكوني بلذتها جديرة

تبسمي ..ترين الدنيا كنعومة الطير يحلق في الأجواء ينشر اللحن والنبل الوثير.. تعلمي منه متعة العطاء وبراءة الحب المنير.. ولا تحزني وإن كنت للألم أسيرة.. وليبق الأمل لك سلاحاً تصارعي به حتى أسوأ نذير …

**سر **

قلمي وأوراقي وكتاباتي نعمة ..

أدعوك ربي أن تبقيها لي لأظل أكتبني في كل حين ..

(أرشيف الكاتبة)

[/JUSTIFY]

كلمات على جدار القلب – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version