*وهدية تلقيتها تؤشر لتدني مستوى المفرحات في حياتي – وأمثالي – قياساً إلى (آخرين!)..
*وقبل أن نكشف عن فحوى الهدية المذكورة نعود بكم قليلاً إلى الوراء حيث الزمان الذي أُثيرت فيه قضية ظاهرة الهذيان التي تفشت بين سكان بعض مناطق المحس..
* فقد قيل- آنذاك ـ أن المحاصيل الزراعية خالطها نبات الخشخاش فأدّت بآكليها إلى أن يهذوا و(يهضربوا) و(يخطرفوا)..
* فشككنا نحن في التفسير المشار إليه إلا أن تكون ثمة أيادٍ تعمدت (الخلط) ذاك كيما (تختلط) الأمور على أبناء المنطقة فلا يعودون ـ من ثَّم ـ قادرين على التمييز بين (سد كجبار) و(سد الحنك)..
* ولكن يبدو الآن أن للقصة (سراً) آخر لا نعلمه وذلك في ضوء ما سنرويه الآن عن هديتنا القادمة من شمالنا الأقصى..
*فقد تلقى صديقي شمت مكالمة هاتفية تفيد أن كبيراً في (العيلة) في حالة احتضار و عليه الحضور إلى (البلد) على وجه السرعة..
* وكان الكبير هذا قد (أضرب) عن أكل الفول فجأة ـ دونما سبب معروف ـ وأقسم (رأسه والف سيف) أن لا يتناول إلا لحماً في الوجبات الثلاث..
* وحين وصل شمت إلى هناك وجد الأهل في حالة ترقب لوفاة الكبير لينقلب الفرح بالزواج المرتقب لإحدى بنات (العيلة) إلى ما يشبه المأتم..
* وفي يوم فاجأ الكبير أفراد العائلة ـ وأهل البلدة أجمعين ـ برغبته في أكل الفول بعد طول صيام حتى عن اللحمة..
* فظنوه يهذى بادئ الأمر ـ سيما وأن ظاهرة الهذيان لم تتلاشَ آثارها بعدُ ـ ولكنهم أحسوا بصدق رغبته في الفول بعد أن كاد يصيح فيهم (الفول فولي)..
* وما أن أصاب الكبير هذا من الفول حتى دبَّت في جسده المنهك العافية وطفق يتفحص وجوه المحيطين به ملياً دون أن ينبس ببنت شفة..
*ثم بعد وجبة الفول الثانية أخذ يحرك لسانه بتحايا مقتضبة خص بها الذين قدموا من سفر ومنهم صديقنا شمت..
* أما بعد الوجبة (الفولية) الثالثة فأدهش أفراد أسرته بإصراره على إتمام مراسم الزواج مساء اليوم التالي..
* وكان حفلاً ـ حسب رفيق صبانا الفاتح شمت ـ لم تشهد البلدة مثيلاً له منذ أمد بعيد..
* والسر (الباتع) هذا لآخر ما جادت به أرض (البلد) من فول هو الذي حدا بشمت إلى أن يهدي لنا ـ شخصي والصديق المشترك صدقي فهمي ـ بعضاً منه..
* وحين أخذ الفاتح عينة من الفول هذا لـ(يُشمِّمني) رائحته صحت وإياه – في آنٍ واحد – بعبارة تضمنت مفردة (كوركتي)..
* فقد كانت رائحة جروف أرضنا الطيبة لا تزال عالقةً به..
* وبما أن بلادنا موعودة بأيام أشد ضنكاً ـ حسب خبراء الاقتصاد ـ فإن استهدافاً جديداً قد يتعرض له الأهالي هناك مصوَّباً نحو ما تُنبت أرضهم من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها..
*وذلك بعد الفراغ – أولاً – من (حرائق النخيل!) المشتعلة ما بين حلفا ودنقلا هذه الأيام..
*ولسان حال الحارقين يردد بغضب – ربما – عبارة (حريقة فيكم !!!).
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الأهرام اليوم