جاء فى الغراء (اخر لحظة) الصادرة أمس، أن احدى المحاكم الجنائية بالخرطوم شرعت فى نظر دعوى ضد رجل خطف فتاة وهرب بها الى ولاية أخرى، ليبني بها على قول الفقهاء ويتزوجها هناك ويعيدها الى أسرتها بعد اتمام الزواج،ولا نود هنا التدخل في مسار هذه القضية التي يتداخل فيها ما هو ديني بما هو اجتماعي، كما ليس من حقنا أبداء أي رأي فيها يستبق الحكم القضائي النهائي،وانما أردنا فقط التذكير بأن ما أتى به هذا الخاطف ليس جديدا ولا من ابتداعه،فمثل هذه الفعلة كانت سائدة وممارسة في بعض نواحي دارفور وعند بعض أهلنا الدارفوريين( أظن ولا أجزم أنها انقرضت الان)،وخلاصة هذه الممارسة المسماة محليا ب(جبونقا) هي أن المحب المتيم عندما يقطع له أهل الحبيبة كل أسباب الوصال بها والزواج منها ،لن يجد أمامه حلا سوى أن يختطفها ويهرب بها إلى مكان آخر ليتزوجها بعيداً عن أهلها الذين لن يجدوا بعد ذلك ما يفعلوه سوى التسليم بالأمر الواقع، وأظن أن هناك شعوبا أخرى في مناطق أخرى من العالم كانت تمارس هذه العادة كالاذربيجان مثلاً…..
أول عهدي بهذه (الجبونقا) كانت سببا فيه أغنية تراثية دارفورية تسربت كلماتها من بين ثقوب الذاكرة ولم يبق منها غير مطلعها الذي يقول «أم دخاري صندوق سجار بحاري بمشي لي بيتكم يا بنية ناوليني ألمي بارد» والمقطع الذي يقول «جبونقا إستيفاق»، والأغنية في عمومها كما علمت من أحد الشرّاح الذين استعنت بهم عند سماعي لها لأول مرة، تختص بالمحبوبة المسماة أم دخاري والتي يتغزل فيها محبوبها الشاعر ويفاخر بها ويفتخر بمحاسنها، ولكنه عندما أراد أن يقيس محاسنها لم يفعل كما فعل سيد عبد العزيز في أغنية الحقيبة الشهيرة «أقيس محاسنك بمن يا الدرة الما ليك تمن، إلى أن يقول شفنا ملاك لابس بدن، إنسان لكن مفرداً، حاز النور حاز اللدن، غصنه مهفهف أملداً، هيبة أسد في عيون شدن»، وإنما شبهها مباشرة بصندوق سجائر البحاري الذي يبدو أنه كان عزيزاً جداً على الشاعر، لدرجة أنه لم يجد ما يعبر به عن مدى حبه لها وإعجابه بها أفضل منه، ولهذا قال أم دخاري صندوق سجار بحاري، وهو أبلغ أنواع التشبيه إذ غابت عنه أداة التشبيه ووجه الشبه، أما «الجبونقا» فهي ممارسة كانت معروفة وتختلف عن الاختطاف القسري والاغتصاب، إذ أنها كما قال الشاعر الدارفوري يلزمها «إستيفاق» أي اتفاق على الخطف والهرب بين الحبيب ومحبوبته، كما أنها تحدث بين اثنين بينهما مشاعر وعواطف مشتركة وليست مجرد غريزة بهيمية وبوهيمية كما في حالة الاختطاف القسري والاغتصاب
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي