يقيني أن أي أحد من سكان الخرطوم لو سئل هذه الأيام عن أهم حاجتين ،لأجاب بلا تردد هما (البطارية والناموسية)، وهي عندي بلا شك اجابة نموذجية ومثالية (حد يقدر يغالط)، فما من معاناة أصابت أهل الخرطوم هذه الأيام على ماهم فيه من نكد مثل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي عم كل أحياء العاصمة بلا استثناء،لا فرق بين ديوم وعمارات وأحياء راقية وأخرى طرفية ودرجة أولى ودرجة ترسو،فعند حلول الليل صارت كل أحياء الخرطوم سواسية كأسنان المشط في الظلام والسواد،هذا الحال السوداوي هو ما ارتفع بقيمة البطارية لأن تصبح الى جانب الناموسية من أهم ما بات يحتاجه ساكن الخرطوم في هذه الأيام التي تحالف فيها عليه سواد الليل وحلكته مع جيوش البعوض التي عادة ما تبدأ غاراتها تحت جنح الظلام،وهذا أيضا ما ارتفع بقيمة الناموسية ليضعها أعلى قائمة أهم الاحتياجات الحالية …هذا الحال لا يتناسب مطلقا مع مظهر الخرطوم كعاصمة وعنوان للبلاد،فأن تصير البطارية والناموسية من أهم ما يفترض أن يقتنيه هذه الأيام من يقيم بالعاصمة،فذلك يعني أن الخرطوم قد تريفت وأصبحت مثل قرية (حشوا فروا) النائية المنسية التي يعتبر امتلاك بطارية وناموسية فرض عين على كل ساكنيها،والمفارقة هنا هي أننا بدلا من أن ننقل المدينة والمدنية الى الريف لينعم بخدمات كهرباء مستقرة وخدمات صحية وببيئة صحيحة ونظيفة، أحدثنا العكس اذ نقلنا حياة الريف ليس الى المدينة فحسب بل الى عاصمة البلاد…
من المؤسف أن تبدأ ادارة الكهرباء في تنفيذ برمجة قطوعات عشوائية غير معلنة ظلت تباغت بها المستهلكين طوال الأيام الماضية ، ثم تتركهم في ظلامهم يتخبطون دون أن تعيرهم أدنى التفاتة لتشرح لهم أسباب هذه القطوعات،هل هي بسبب نقص في الانتاج أفضي إلى تذبذب في الامداد أو كانت غير ذلك من أسباب إدارية أوفنية أو طبيعية لن يستقيم مع إعوجاجاتها عود الكهرباء حتى ولو بلغ الانتاج تريليون ميغاواط، ولا تكلف نفسها حتى عناء اخطارهم مسبقا ،وقد ظل هذا الاسلوب الاستعلائى المتعالي هو الديدن الذي تدير به إدارة الكهرباء علاقتها بجمهور المستهلكين المساكين الذين تتسلط عليهم بعقد إذعان يبيعهم الكهرباء مقدماً «سمك في موية» ثم لا تتحمل أية آثار نفسية ومادية تترتب على قطوعاتها المتكررة، لكن العجيب وبعد كل هذه الحقوق لمشتري الكهرباء أن الهيئة وبدلاً من أن تواددهم وتلاطفهم وتخفف عليهم المصاب الذي ألمّ بهم بسببها فإنها لا تقيم لهم أي وزن شأنها في ذلك شأن من يسود الناس ويسوسهم بالصلف والعنجهية، وربما كان «إستفرادها» بهم وإحتكارها لمصيرهم الكهربائى سبباً في ذلك،ولم تبرع ادارة الكهرباء حتى الان في شئ مثل براعتها في التنكيد على الخلق وافساد أمزجتهم واتلاف أعصابهم وبعض أجهزتهم وأدويتهم وطعامهم المدخر داخل الثلاجات…وما يقال عن الكهرباء يقال مثله عن تردي صحة البيئة…
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي