مبروك جابو ليك ولد حكاية زول جرسة

[ALIGN=CENTER]مبروك جابو ليك ولد
حكاية زول جرسة
[/ALIGN]
كان (الطيب) رجل رقيق المشاعر وحساس أو كما كان يتهمونه اخوته بأنه (خواف وجرسة) منذ نعومة اظافره فهو يخاف الجروح ويكره رؤية الدم لذلك لم يكن يستمتع مثل بقية اصحابه من الاطفال الاشقياء بقتل القطط والكلاب الضالة رجما بالحجارة كما أنه كان يتجنب الوقوف والفرجة على ذبح خراف الضحية ولا يجرؤ حتى على حضور ذبح الحمام والجداد.
كبر (الطيب) وكبرت معه مخاوفه ولكنه تعلم أن يتعايش معها ويحسن اخفاءها عن الاخرين، تزوج بنت خاله (حنان) واحضرها من البلد بعد ان اعد لها مسكنا في احد احياء الخرطوم، ومرت الايام كالخيال احلام وتكور بطن (حنان) مبشرا بقدوم ولي العهد فصارا يعدان الايام شوقا لقدومه السعيد.
ومع اكتمال تاسع اهلة حملها استدعى (الطيب) نسيبته حاجة (سعاد) والدة (حنان) من البلد لتشرف على ولادة ابنتها وتعينهم في رعاية الوليد، ذهب (الطيب) للمحطة واستقبل خالته واحضرها للمنزل ودخلوا وهو ينادي:
الطيب: أتفضلي يا حاجة .. شرفتينا ونورتي البلد .. يا حنان الحاجة وصلت بالسلامة.
حنان: هيي يمه .. إنتي جيتي حمد لله على السلامة
(تنفجر باكية وهي تحتضن أمها )
الطيب: ياجماعة استهدوا بالله وبطلوا البكاء .. ياحنان أمك دي ما جاية تعبانة من السفر
حنان(تنهنه): تعالي يا أمي أقعدي هنا شكلك تعبانة شديد
حاجة سعاد: (أحيييي) يابتي تعبانة ساي جسمي ده كلو مكسر .. تقولي داقني في فندق
حنان( تضحك): معليش يمه .. عشان انتي ما متعودة على السفر
حاجة سعاد: كدي هسي خليك مني انا .. انتي كيف.. مالك كملانة من لحم الدنيا ووشك مختوف .. فاضل ليك كم كدي ؟
حنان: والله تعبانة شديد يمه .. لكن هانت فاضل لي ايام على مواعيد الدكتور
حاجة سعاد: الله يتم ليك ويحلك بالسلامة يابتي.
يبدو ان فرحة (حنان) بلقاء امها قد عجل بمقدم الحفيد فقد استيقظت الحاجة في الصباح على صوت أنين وتأوهات ألم (حنان)
حاجة سعاد: حنان .. هي يا حنان .. كيف أصبحتي يا بتي
حنان (تئن) : صباح الخير يمه
حاجة سعاد: سجمي مالك بتتحيحي .. أها خلاص جاك الوجع؟
حنان: ما عارفة يمه .. ضهري واجعني شديد .. الليل ده كلو مانمتا
حاجة سعاد: كُر علي .. أها معاه وجعة بطن؟
حنان: آآي مره .. مره .. بتجيني وجعة .. بس كدي انتي أسرعي ألبسي
حاجة سعاد: سمح خليني النستف ليك الشنطة أول
حنان( يتعالى صوت أنينها): الشنطة جاهزة يمه..بس أجهزي انتي عليك الله (ثم تصرخ من الألم )
حاجة سعاد: كدي ما تلخميني وتخلعيني بالكوراك .. قولي ياربي تحلني بالسلامة .. أقعدي النمش أدرع لي هِدِم.
اسرع (الطيب) بهم للمستشفى وجسمه يتصبب عرقا ويداه تترتجفان والاسوأ انه كان يعاني آلاما في احشائه تفوق ما تعانيه حنان (بس فايتا بالصبر)، ادخلها لغرفة الولادة ثم صار يزرع طرقات المستشفى جيئة وذهابا من القلق والخوف حتى صاحت فيه خالته:
حاجة سعاد: هي يا الطيب ياولدي .. كدي أقعد شويه في بطن الواطة.. ماشي جاي فينا تخيط في الدروب مالك .. قول بسم الله
الطيب: لكن يا حاجة الحكاية دي ما طوّلت شديد..هسي من جينا لينا كم ساعة؟
حاجة سعاد: ياولدي ما تشفق ساي .. البكرية أصلا بتتأخر كدي
الطيب: هديك ممرضة طالعة .. النمشي اسألا.. يا أخت .. يا سستر لو سمحتي
الممرضة: أيوه نعم في حاجة
الطيب: عندنا واحدة جوه أسمها حنان ممكن تشوفيها وتطمنينا عليها
الممرضة: حنان دي مش البكريه .. لسه عليها شويه
حاجة سعاد: أها ما قلتا ليك .. كدي روق وأقعد في الواطة دي حبة!!
(فترة صمت يتعالى فيها صوت صراخ من بعيد .. فينتفض الطيب واقفا)
الطيب: اتخيل لي يا حاجة أنا سامع صوت حنان قاعدة تكورك!!
حاجة سعاد (في ضجر): ومال دايرة تغني يعني .. ولا قايل الولادة دي هييينة كدي؟
ساءت حالة الطيب مع تقدم الساعات ووصل الى حافة الانهيار عندما خرج من الغرفة الطبيب وتوجه اليه وهو يقول:
الدكتور : يا أخ الطيب.. ممكن دقيقة لو سمحت؟
صاحت حاجة سعاد: سجمي بتي مالا يا دكتور؟؟.. بينما ابتلع الطيب ريقه بصعوبه وهو يقول:
خير يا دكتور؟
أخبره الطبيب عن تعثر الولادة واضطرارهم للجوء لاجراء عملية قيصرية، طمأنه بعد أن رأى جحوظ عينيه بأن الحكاية بسيطة وبتخدير نصفي ولكنهم يحتاجون اليه في الداخل لان (حنان) قد بلغ بها الاجهاد مبلغا اصابها بالهبوط وتحتاج الى دعمه النفسي ووجوده الى جانبها اثناء الجراحة، أخفى زعره الشديد ودخل معه، وبعد الباسه للباس العملية ادخلوه ووضعوا له مقعدا بجوار طاولة الجراحة .
جلس بجوار (حنان) ممسكا بيدها، متصلبا جاحظ العينين يرتجف كالريشة في مهب الريح وهو يقاوم احساس رهيب بالغثيان ويتجنب رفع عينيه حتى لا تصطدم برؤية الدماء التي غطت الاطباء المنهمكين في العمل على احشاء (حنان) دون ان ينتبهوا لما يعانيه (الطيب) في صمت، رفع الطبيب المولود وضرب على ظهره بخفه حتى صرخ صرخته الاولى ، ثم التفت الى (الطيب) وهو يقول:
مبروك .. جابوا ليك ولد.
وقف (الطيب) على قدميه قبل أن ينهار على الارض كحائط قديم، مغميا عليه وقبل حتى ان يتمكن من القول:
الله يبارك فيك.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version