في عالم الطفولة، عندما تندلع (شكلة) يكون أحد أطرافها أخوك الصغير، تندفع لساحة القتال لـ (تنصر) أخاك على من اشتجر معه و(تحامي ليهو) ولو كان هو من بدأ بتدوير الشكلة ..
وفي المدرسة (يحامي) الأخ الأكبر للأصغر ضد المتنمرين والحقاريين من أولاد الفصل وهو بدوره يحامي لمن يليه وهكذا .. الكبير يدفع عن الصغير
عندما كنت بالصف الثاني ابتدائي، كانت لي برّاية صغيرة حمراء وكنت (اتعوجب) بها وبلونها و(سنانة) شفرتها التي كانت تأكل راس القلم وتجعله أسن من رأس راجل المرة النقناقة .. وبينما كنت احملها في يدي أثناء الحصة صاحت إحدى عتاولة الصف الورا بالأستاذة:
فضلك .. منى سلمان شالت برايتي
تحير شاويشي فالبراية برايتي وأنا ستّها .. ثم ثانيا، كيف انتقلت برايتها من الكنبة الأخيرة لتقفز على يدي حيث أجلس في الكنبة التانية؟ .. حاولت إقناع الأستاذة بوجهة نظري ودافعت عن أحقيتي في البراية، ولكن جماعة (ورا) شهدوا لصالح زميلتهم بأن لها براية حمراء قد ضاعت منها في الفسحة، فإنتهرتني الأستاذة ونزعت من يدي برايتي واعطتها لـ المدعية، ففوضت أمري لله من الغبن والظلم الذي أصابني وصبّرت نفسي بأن (الجاتك في برايتك سامحتك)، ولكن قبل أن تنتهي الحصة نظرت إحدى جارات المدعية في الكنبة الورا تحت قدميها فوجدت برّاية حمراء !!
رفعتها ونادت للأستاذة: فضلك .. لقيت البراية الرايحة !!
طبعا حسب واجب احقاق الحق، كان من المفترض على الأستاذة أن تعيد إلي برايتي ومعها إعتذار ومن فوقه (بوسة) على الإهانة وإشانة السمعة والحقرة التي تعرضت لها، ولكن لحيرتي وذهولي فقد أخذتها العزّة بالإثم فإكتفت بأن ناولتني البراية الأخرى القديمة وقالت دون أن تجرؤ على وضع عينيها في عينيي المستنكرتين:
خلاص إنتي شيلي البراية دي بتكون حقتك الرايحة !!
تناولت البراية وأنا فاغرة الفم .. من قال أن لي براية رايحة ؟ فقد أخرجت برايتي من داخل شنطتي وهممت أن أبري بها قلمي عندما انقضت علي كالصقر وخطفتها من يدي !! شوف دي بالله ؟!!
انتظرت جرس البيوت بفارغ الصبر وما أن ضرب حتى انطلقت لشقيقتي الأكبر في سنة رابعة وأنا أبكي بحرقة:
عايدة .. كان شفتي البت السمينة ديك سرقت برايتي الجديدة والأستاذة أدتني برايتا القديمة الميتة !!
هدّاتني شقيقتي واستفسرت مني عن تفاصيل الواقعة، وما إن انهيت سردي حتى انطلقت كالصاروخ في شجاعة نادرة، لأن المدعية عليّ كانت متينة البنيان وبايتة السنة ولعل دفعتها قد وصلوا الصف السادس بينما شقيقتي نحيفة البنية هزيلة الساقين حتى إننا كانا نكاويها بي (عايدة أم ركابين) .. شوفوا يا أخواتي ما بتنفع فيني الحسنة!
عادت معي للفصل بسرعة فوجدنا المدعية تحمل برايتي الجديدة وسنينة في يدها وتتباها بها لرفيقاتها، فطارت شقيقتي في الجو وسددت لها رفسة قوية في بطنها ثم اقتلعت البراية من بين يديها وهي تتمتم من شدة الغضب: (جيبي البراية دي هنا يا حرامية) ثم أعادتها إلي ومعها تبتبة وتربيتة حنّية على ظهري ووعد صادق:
تاني لو جات عملت ليك أي حاجة الكلبة دي .. بس تعالي وكلميني !!
– تذكرت تلك الواقعة وإن كنت لم أنساها أصلا ومازال قلبي دافئا من ذكرى محنة (الخوّة)، وحكيتها لعيالي أكثر من مرة وأنا أحضهم للمدافعة عن بعضهم ضد تغولات المعدتين في المدرسة، ولكن هناك قصة طريفة جدا عن محاماة الأخوان سمعتها حديثا:
فبيل منتصف الليل بقليل، أطلت (راقية) من شباك غرفتها التي تطل على الحوش حيث ينام أشقائها الصبيان، وعندما رأت زوجها يتجه ناحية باب الشارع ليغادر البيت، صاحت على أشقائها النائمين في أماتتي الله:
مدثر .. كمال .. مصطفى، أقبضوا الصادق ده قبال يمرق !!
تقافز الفتيان كالنمور وأمسكوا بتلابيب (الصادق) قبل أن يصل الباب، ثم إلتفتوا إليها ليستفسروا عن سبب القبضة، فصاحت عليهم مرة أخرى:
دقوهو .. أهرسو هرس !!
بعد بضع دقائق انفتح باب الشارع وخرج منه (الصادق) ممزق الثياب يترنح ويعرج، بينما توجه (أخوان السرور) لغرفة شقيقتهم ليستفسروا منها عن الحصل وما (تلّوم) فيه نسيبهم وأستحق عليه العلقة التي أكلها حسب أوامرها .. شفتوا الخوة كيف ؟!!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com