سمح العمّة .. عالي الهمّة

[ALIGN=CENTER]سمح العمّة .. عالي الهمّة [/ALIGN] – مات حبيب الشعب فبكته ملايين العيون السودانية الصادقة بصدق لا يأتيه التزوير ولا تغشاه (السفْلقة) .. دموع أصدق أنباءا من ( بالملايين قلناها نعم) في كتب صناديق الاقتراع الاستتفتائية ..
– عندما نوصم شخصا ما بأنه دقة قديمة نقول (ده زمانو فات وغنايو مات) .. وأنا أهم بكتابة مادة أعزي فيها أمتنا السودانية وقبلها أعزي نفسي ومعي جيل كامل من ابناء (أبوكم مين؟ .. نميري) بعد أن صار في الإمكان وصف جيلي بـ (ده جيل زمانو فات ورئيسو مات) .. سألت أصغر أبنائي ذو الأربع سنوات ونص:
بتعرف عمر البشير؟
فأجابني بحيرة: منو ؟ وينو ؟ مالو؟
أوضحت سؤالي أكثر:(عمر البشير .. رئيسنا .. ما بتعرفوا ؟)
أجابني بعيون منططة:أيو آآآآ عمر البشييير .. ثم أعقبها بـ (ياخ ما بعرفوا !!)
– كثرة الفضائيات والألعاب الإلكترونية وكل ما يلهي الأطفال، لم يترك لجيل أبنائنا فرصة ليتآلفوا مع رموز السياسة والحكم في بلادنا، كالتي اتيحت لنا في طفولتنا .. فقد كانت أوقات الفراغ الطويلة والمملة وقلة الشغلة زمان، سببا في إلتصاقنا بجهاز التلفزيون منذ بداية الإرسال وحتى (إششش) في نهايته، وبالتالي متابعتنا لكل نشرات الأخبار والبرامج السياسية والإقتصادية وغيرها من البرامج التي لم نكن نفقه فيها صرفا ولا عدلا، سببا في حفظنا لأعضاء مجلس قيادة الثورة نفر نفر .. كنت – شخصيا – أحرص على متابعة كل ما نطق به (أب عاج) وبثه التلفزيون .. لقاءاته الجماهيرية، مكاشفاته الشهريه، خطبه الناريه، طبزاته اللغوية ..
– طوال ستة عشر عاما، صادف فيها (النميري) فضاءا إعلاميا خاليا فتمكّنا .. وتمدد ملء الأسماع والأبصار حتى لكأننا لا نكذّب من يقول بأنه قد فتح الماسورة ذات صباح فإنسابت بدل الماء بـ:
وسأكون خادما أمينا لا حاكما متجبرا !
– كنّا صغارا مواكبين سياسيا .. نغني بـ (باقة البلاستيك) في ضل المزيرة، ونرقص على إيقاع مناكفات (نصرة) لـ (مهدي مصطفى الهادي):
يا مهدي ما تسيب الناس أووو تشكا
الحساب يوم القصاص أووو تشكا
دون أن نعرف (ده مترو كم ؟) فبعد أن كبرنا و(ربّطنا) المواضيع مع (بعضيها) وقع لينا الكلام، بأن (نصرة) كانت تحتج على (مهدي) محافظ الخرطوم على وضعه لبعض القوانيين المقيدة لحريات حزب البهجة والمسرة، وتدعوه لأن يترك (الخلق للخالق) كي يحاسبهم يوم الحساب !!
– ربما كان السبب في نشأتي (نميرية الهوى)، هو أنني كنت ضمن جيل تربى على أصوات القنابل والإنفجارات وما تلاها من مارشات ثم إذاعة البيانات، والتي كنا نكابس من تحت الأرجل ونلصق آذاننا على الراديو لنسمعها مع الكبار، ثم نعيش الفرحة بعودة (أب عاج) المظفرة والتي كان إعلامه يحسن تسويقها لـ ناس محمد أحمد البسيط الذي لا تور له في السياسة ولا طحين، وربما كان السبب يكمن فقط – في (كاريزما) النميري المميزة ..
– بعد الإنتفاضة، وعندما كان هناك نفر من الطلاب في الإسكندرية يوزع الحلوى كرامة (البلى الذي إنجلى)، كنت أنزوي في ركن قصي أكابد الحزن وأغالب دموعا أبت إلا أن تعلن عن نفسها رغم أن كبير رهطي وقتها كان آخر محابيس زنازين مايو !!
– رصدت الصحافيتين (سهير وشذى) من صحيفة الراي العام، بكاء الباكيات ونواحهن على (سمح العمّة عالي الهمّة)، ومناداة (بثينة) على رفيق العمرها:
(الليلة يا أبوي) (يا أخوي) (يا حليلك يا الفارس الكلس يا نوارة القبيلة)، فانسربت مني دمعة معبوباتية، ذكرتني بدموع (بثينة) التي ذرفتها بسخاء معبوباتي وهي تجلس على المنصة بجوار (جيهان) في مراسم تشييع (محمد أنورالسادات) .. كانت المسكينة مقطعة نفسها من شدة البكاء بينما (ست الوجعة) قاعدة آخر قشرة وكوفيرات ونظارات سود ..
حقيقة، بموت النميري مات لينا زول .. كان فينا الساس والراس حينا من الدهر، وكالعادة إكتشف الناس بعد وفاته أنه عاش فقيرا ومات فقيرا لم يكنز من هذه الفانية غير محبة إمتلأت بها قلوب الأعداء قبل الأصدقاء، فسوّدت الصفحات والصحف بحروف رثاء في الفقيد ليته كان سمع نصفها قبل أن يموت لكان قد علم بأننا قوم فينا وفاء ونميز معادن الرجال ولكن .. بعد فوات الأوان !

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version