بمغيب شمس يوم الاثنين الماضي الموافق الرابع عشر من يوليو الجاري، تكون قد مرت على فاجعة الاختفاء المفاجيء والمريب للبروفسور عمر هارون أستاذ علم النفس بجامعة الخرطوم في ظروف غامضة ومحيرة، عامان بالتمام والكمال منذ ذاك الأصيل الذي خرج فيه من منزله لممارسة رياضة المشي التي دأب عليها وواظب لدرجة أضحت من يومياته المعلومة والمعتادة وبرامجه الثابتة، ولكنه لم يعد إلى داره وأهله الذين لا يدرون عن مصيره شيئاً حتى اللحظة، أمختطفٌ هو أم قتيل أم حبيس، فبكوه حتى احتبس الدمع في مآقيهم، وجفّ ماؤها من كثرة النحيب عليه، بذلوا ولم يستبقوا بذلاً واجتهدوا ولم يدخروا جهداً إلا بذلوه لمعرفة حقيقة ما جرى له، ولكن بلا جدوى ولا مجيب سوى صدى أسئلتهم الحائرة يرتد إليهم ثم يتبدد في الأثير.
وسبحان الله فمن أوجه المماثلة بين مأساة اختفاء البروفسور عمر هارون واختفاء محمد الخاتم ابن زميلنا الكاتب الصحافي المخضرم موسى يعقوب، أن كلا المختفيين من المشهود لهما بالذكاء والنبوغ، كلٌ في مجاله واختصاصه، ومنها أيضاً أن كليهما خرج من داره بشكل طبيعي ومألوف على خلاف ما حدث للشهيد محمد طه محمد أحمد الذي تربصت به جماعة واستدرجته من منزله إلى حيث نفذت فيه جريمتها الشنيعة المستبشعة، ثم أن جثمان محمد طه قد عُثر عليه كما تم كشف ما حدث له وعلمت أسرته به بعد وقت وجيز جداً من اختطافه من منزله، وفي ذلك راحة لذويه ومعارفه وزملائه وأصدقائه على فظاعة الذي جرى له، إذا ما قورن بما جرى لابن موسى يعقوب الذي ظل مجهولاً رغم تطاول السنوات. وما حدث للبروفسور عمر هارون والذي ما زال في علم علاّم الغيوب رغم مرور عامين عليه، ولكم أن تتصوروا حال هاتين الأسرتين المكلومتين، وهما تكابدان عناء حل هذا اللغز وفك شفرة هذا الاختفاء المحير، هذه حالة تخر من هولها الجبال الراسيات، حالة «تمخول» وتجنن وتطير الصواب، ووالله إني لأعجب من يقين هذه الأسر المفجوعة وإيمانها الذي حفظها وصانها وثبّت قلوبها فلم تفقد صوابها وحافظت على توازنها النفسي وثباتها الانفعالي، وأوكلت أمرها لله صابرة ومحتسبة، بعد أن أعياها البحث وأضناها السؤال وعزّ عليها النصير الذي يمكنه أن يضع حداً لعذاباتها بأي إفادة شراً كانت أو خيراً.
إننا بمناسبة تذكر هاتين المأساتين لا نملك إلا أن نحيي صمود وثبات الأسرتين على فجيعتيهما، ونسأل الله أن يسخِّر لهما من يريحهما من عذابات هذا الطلسم، وينتشلهما من غيهب الحزن والوجع والظنون بإفادة شافية وقاطعة عن مصير مفقوديها، وما إذا كانا أحياء فيرجون أو موتى فينعون، فمما لا شك فيه أن وراء اختفائهما الغامض والمريب، إما جهة ما أو مجموعة ما أو حتى فرد ما، ولله الأمر من قبل ومن بعد وله عاقبة الأمور.
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي