:: قبل موعد الإفطار بنصف ساعة تقريباً، تقتحم جماعة ذات وجوه ملثمة مقر صحيفة التيار بشارع البلدية في (قلب الخرطوم)..و يعتدون على رئيس تحريرها الأخ الأستاذ عثمان ميرغني، ثم يغادرون الموقع على ظهر سياراتهم بعد ربع ساعة من الإعتداء وإثارة الرعب وبمصادرة أجهزة هواتف بعض الزملاء الذين تواجدوا بمقر الصحيفة في تلك اللحظات العصيبة.. هكذا الحدث، في قلب عاصمة البلد وقبل مغيب الشمس..مثل هذه الأحداث مألوفة للناس حين يرد خبرها من مقديشو وبغداد وطرابلس وغيرها من العواصم التي تحكمها الفوضى و قانون القوة وليس (قوة القانون)، ولكن يبدوا أن الخرطوم أيضاً تسير على ( خطى الفوضى)..!!
:: ولن نخطئ – أو ندفن الرؤوس في رمال الوهم – بقول فحواه أن هذا الحادث لايشبه السودان ولا آخلاق أهل السودان، أو هكذا دائماً أسطوانات (النفخ الرسمي ).. بل، علينا تجاوز محطة النفاق و عدم خداع الذات، وأن نعترف بأن هذا الحادث (يشبهنا تماماً).. وجزء من ( كل المناخ)..ومالم يتخلص المناخ العام – في طول البلد وعرضها – من داء العنف المتأصل ، فليس من الصدق الإدعاء بأن مثل هذه الأ عراض (محض إستثناء).. كان مجتمعنا – حُكاماً و عامة – نموذجاً في التسامح و الرقي الذي يطرق أبواب المحاكم بحثاً عن العدالة والحقوق، ولكن – للأسف – تلوث بعض أفراد هذا المجتمع المثالي بلوث ( المناخ العام) لحد أخذ الحقوق بالأيدي المسلحة في وضح النهار..و يكاد قانون الغابة أن يصبح مشروعاً..فما هي الأسباب التي أوصلت السوداني مسؤولاً كان أو من عامة الناس – إلى هذا القاع المُظلم ؟..فالإجابة هي ( أُس البلاء) و ( أصل الأزمة)..في أي زمان و بأي مكان، عندماً يُغيب حوار العقول و الأفكار ويُحجب الرأي أو الرأي الآخر، يصبح الحال ما عليه حال بلادنا ..!!
:: والمهم جداً..ما تعرض له الأستاذ عثمان ميرغني – شفاه الله وعافاه – والزملاء بالتيار لم يكن الحادث الأول، ولن يكون الأخير.. نعم باب الإعتداء على الصحف والصحفيين لم يكن مغلقاً من قبل، ولن نكذب على أنفسنا ونطمئنها بأن حادث التيار ورئيس تحريرها سوف يكون الإعتداء الأخير .. بل علينا ترقب المزيد من الإعتداءات بلا خوف.. ويجب ألا يكون في أمر هذا الحادث الدامي حزناً لحد إحلال اليأس والتوجس والرياء محل الصدق والثبات وما نراه حقاً للوطن والمواطن..فالصحافة الحقيقية كما يُعرَفها أهلها والرأي العام ( مهنة متاعب)..وما يحدث لها ولأقلامها من إعتداء هو بعض الضريبة الواجب سدادها بشجاعة وبكامل التصالح مع الذات .. وأن أي حدث أو حادث – مهما كان فادحاً و دامياً – يجب أن لا يُحني (هامة قلم)..!
:: ثم الصحافة الحُرة – بكل أخبارها وتقاريرها ومقالاتها وتحقيقاتها – هي ( كلمة حق فقط لاغير)..إن قلتها تمُوت و إن لم تقلها ُتموت، إذن ( قلها و مُت)، أو هذا ما يجب أن يكون شعاراً وواقعا راسخاً في مسيرة صحاقتنا مهما تكالبت عليها المحن والمتاعب وأثقالها وأثمانها..ومع هذا، نشير بكامل الوضح إلى مسؤولية أجهزة الدولة الشرطية والعدلية في حماية (المجتمع وصحافته)..وإن كان يومنا هذا قد مضى قبل أن تزيح الشرطة الستار عن حادثة التيار ورئيس تحريرها وتكشف عن شخوصها وأسبابها، فان قادمات الأيام يجب ألا تمضي بذات غموض يومنا هذا، فالأخطر من اي جريمة هو أن يبقى بلاغها ضد مجهول ..وختاماً، أكرر مذكراً نفسي وكل الزملاء بأنها ( مهنة متاعب)، وبما أن الكل قد إختار هذه المتاعب ( طوعاً وإختياراً)، فعلى العزائم أن تمضي في حماية مصالح الوطن و الدفاع عن حقوق المواطن بمداد الحقيقة بلا ( وهن أو توجس)..!!
[/JUSTIFY]الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]