عندما كانت جنوب أفريقيا تستنكر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الأسبوع الماضي على طريقتها الخاصة بالخروج إلى الشوارع، وهو الأمر الذي وجد احترام واستحسان الجميع، كانت واحدة من أيقونات النضال والفكر في جنوب أفريقيا ترحل بهدوء، ففي الرابع عشر من يوليو الجاري فارقت الأديبة الجنوب أفريقية نادين غورديمير الحياة عن عمر ناهز التسعين عاما في منزلها في مدينة جوهانسبورغ، وغوردمير ثالث ثلاثة من أدباء أفريقيا (النيجري وول سوينكا والمصري نجيب محفوظ) توجوا بجائزة نوبل للآداب التي نالتها العام 1991 عن مجمل أعمالها الأدبية المناهضة للتمييز العنصري في بلادها، وغورديمير انحازت لضميرها الأدبي، فاكتسب احترام الملايين لأنها انحازت للحق والجمال، وخلال 13 رواية و200 قصة قصيرة والعديد من المقالات رصدت صورة الحياة في جنوب أفريقيا ومشاعر الاغتراب والتوتر النفسي عند الإنسان عندما يعايش التمييز العنصري بشتى أنواعه، وظلت تدافع عن حقوق السود في الحياة بالتساوي مع البيض رغم أنها بيضاء لأب يهودي وأم إنجليزية، ولكنها انخرطت بحماسة في النضال ضد البيض واشتغلت بالسياسية، حيث أصبحت عضواً بارزاً في المؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان يرأسه الزعيم الراحل نيلسون مانديلا الذي كانت قريبة منه ومؤمن بنضاله وكانت لها مساهمات فكرية في مسيرة نضال السود، فهي كتبت جزءاً من خطاب مانديلا الأشهر (مستعدٌ للموت) الذي ألقاه أثناء محاكمته في العام 1962.
كانت غورديمر الحاصلة على جائزة البوكر في العام 1974 ونوبل للآداب العام 1991 أكثر الأدباء التصاقا بحياة السود المضهدين والمهمشين أثناء عهد الابارتايد البغيض، وقالت ذات مرة قولتها الشهيرة التي تعكس مدى التمييز الذي عاناه السود الذي حرموا من حقوقهم كافة في الحياة بما فيها حق المعرفة عندما قالت: “بعد سنوات أدركت أنني لو كنت سوداء، لما أصبحت كاتبة لأن المكتبات التي كنت أتردد عليها كانت محظورة عليهم”، ولكن ذلك عهد قد مضي والحاضر أفضل تماما كما هو عنوان آخر أعمالها (لا وقت مثل الحاضر) الصادر في هذا العام، الذي يضاف إلى منجزات أدبية باقية للأديبة الجسورة التي خلعت عليها الصحافة العالمية لقب (ضمير الإنسانية) الذي كان يقظا في كافة أعمالها التي من أبرزها (الغنيمة) و(الحارس) و(فحيح الحية الرهيف) و(الأيام الكاذبة) و(عالم من الغرباء) و(وجهاً لوجه)، و(العالم البورجوازي الزائل)، و(ابنة برغر).
إذن رحلت غوردمير بسلام كما قالت أسرتها في بيان لوسائل الإعلام. وقال البيان «كانت تهتم بعمق بجنوب أفريقيا وبحضارتها وشعبها وصراعها المستمر لتحقيق ديمقراطيتها الجديدة»، رحلت دون أن تكمل جنوب أفريقيا ديمقراطيتها الجديدة ورحلت وإسرائيل تعيد تكرار تجربة التمييز العنصري بأبشع صورها في فلسطين.
[/JUSTIFY]العالم الآن – صحيفة اليوم التالي