صحيح أنه لا غنى لأية دولة عن جهاز أمني يعمل لحماية المواطنين من المخاطر الداخلية والخارجية.. ففي بريطانيا هناك جهاز الـ «إم. آي. فايف» MI5 والـ «إم. آي. سكس» MI6 وكلا الجهازين يعملان لحماية الدولة داخلياً وخارجياً. فجهاز الـ «إم. آي. فايف» يعمل لحماية بريطانيا ومواطنيها من المهددات الأمنية داخلياً وخارجاً ويرأسه المستر اندرو باركر وهو مسؤول لدى وزير الداخلية، بينما جهاز الـ «إم. آي. فايف» يعمل على جمع المعلومات من جميع أنحاء العالم وتحليلها والوقوف على المهددات التي تشكل خطورة على أمن بريطانيا، ويرأس هذا الجهاز السير جون سوير ويتبع لوزير الخارجية. ونجد أن معظم الذين عملوا من المثقفين والعلماء كانوا يعملون في هذا الجهاز الأخير. وتماماً مثل الذي يحدث في جهاز الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية المتمثل في مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) المختص بمحاربة الجريمة وأوكارها داخلياً ووكالة الاستخبارات المركزية CIA المسؤول عن كل العمليات الاستخباراتية خارج الولايات المتحدة أو داخلها في ما يتعلق بالأمن القومي، وكلا الجهازين يجمعان المعلومات في مراكز معينة يشرف عليها خبراء مختصون في البرمجة والتحليل والرصد المستمر على مدار الثواني إن لم تكن على مدار الدقائق.
لقد تشوهت صورة الأجهزة الأمنية عندنا منذ أن كان المرحوم الكتيابي هدفاً للحملات المكثفة من الدعاية السالبة من الشيوعيين وجماعات اليسار لما كان يقوم به من مداهمات واعتقالات في أوساطهم. والشخص الذي يعمل في تلك الأجهزة يفر الناس من حوله لارتباط الجهاز في أذهان الناس بما يقوم به من ممارسات. ولا سبيل إلى إزالة هذه الصورة إلا بعمل صادق ذي شفافية عالية وسط الناس وإنه صديق لهم وليس عدواً لهم. اما كيف يتم ذلك لا أدري.
أذكر أنني قد كتبت مقالاً اشير فيه إلى ما يعانيه رجال المرور من وقوف في الشمس واستنشاق للأبخرة السامة من عوادم السيارات، وطالبت بإعطائهم كمامات والكشف الشهري على صدورهم. وهالتني كمية الاتصالات والمهاتفات التلفونية التي وصلتني:
ــ إنت مالك ومال ناس المرور؟ يا أخي في زول عاقل بتعاطف معاهم؟
ونقلت ذلك للدكتور اللواء الطيب عبد الجليل الذي كان مديراً لمرور ولاية الخرطوم وقلت له:
ــ عندكم أزمة علاقات عامة بينكم وبين المواطنين .. وبينكم وبين المواطنين هوة عميقة لو ما ردمتوها الأمور ما حتتصلح.
وكذلك فإن النظرة للذين يعملون في الأجهزة الأمنية ليست كتلك النظرة للأجهزة المماثلة في الدول المتقدمة، ولذلك أتفق مع السيد إبراهيم منعم أن الأجهزة الأمنية مطالبة بأن تقوم بجهد كبير لإزالة الصورة السالبة التي ارتسمت في أذهان المواطنين.
الكاتب : د. محمد عبد الله الريح
صحيفة الإنتباهة