* تعبق الجو برائحة (الدعاش) عند مغيب شمس اليوم ذاك من أيام شهر أكتوبر..
* كان ذلك في مستهل تسعينيات القرن الماضي إبان زيارةٍ لي إلى دولة مجاورة..
* كنت أجلس في شرفة الشقة أتطلع إلى حركة الجائلين والبائعين والسائقين من تحتي أكثر مما أتطلع
إلى رواية (الشيطان يعظ!!) بين يدي ..
* ثم حدثت حركة ما- لا علاقة لها بالتي في الأسفل- أثارت حاسة الفضول في نفسي رغم ما فيها من
آثام التطفل..
* فقد انفتحت نافذة في الشقة المقابلة ليطل منها وجه شاب مسدل الشعر إلى أسفل العنق وهو يخاطب
آخر في الداخل ..
* وبعد نحو عشر دقائق مما بدا لي أنها مذاكرة اتخذ الاستذكار هذا شكلاً هو الأغرب الذي أراه في
حياتي..
* وإن جاز لي التعبير عن (الشكل) هذا- بما لا يخدش الحياء – فيمكنني أن أقول إنها (مذاكرة
حسية!!)..
* ثم الذي حدث من بعد ذلك هو أكثر غرابة….
* فبعيد رفع النداء لصلاة العشاء في المسجد المجاور رأيت الشاب هذا نفسه- بشعره المسدل- يهرول
نحو الجامع برفقة صديقه (بتاع المذاكرة!!)..
* وليست الغرابة هذه هي في أداء الصلاة- بالطبع- وإنما في (جرأة!!) الجمع بين نقيضين ولمَّا
يتوافر من الوقت بعد ما يسمح بـالتهيؤ الواجب لذاك الفرض..
* وعدت إلى قراءة قصة (الشيطان يعظ) دون أن أزعم أنني أديت فريضة العشاء بالمسجد..
*وعجبت من أن السماء لا تزال تمطر غيثاً عوضاً عن (حجارة من سجيل !!)..
* والذي بدا لي غريباً هذا- آنذاك- أضحى مألوفاً جداً بعد انقضاء بضعٍ من السنوات..
* أي (جرأة الجمع بين نقيضين!!)؛ معصية وعبادة..
* ثم عدم الإكتفاء بـ(الغرائبية) هذه وإنما تجاوزها إلى مرحلة (الوعظ!!)..
* (يعني) هو شئ مثل خبر ضبط شيخ الخلوة ذاك – عندنا هنا في السودان – بتهمة اغتصاب طفل
يُدرسه (الفقه والسنة والقرآن !!) ..
*ثم مثله آخر وثالث ورابع وخامس و ………
*فالأمثلة من الشاكلة هذه لم يعد قادراً على حصرها إلا رب العباد وحده..
* ومفردة (جرأة)- بالمناسبة- استوحيتها من قصة سعيد بن جبير مع الحجاج مع اختلاف (الحيثيات)..
* فعندما حكم الحجاج هذا على الفقيه الورع بالإعدام جراء (انتقاده!!) أوضاع ذلكم الزمان ابتسم
سعيد ابتسامةً عريضةً فور النطق بالحكم..
* ولما استفسره الحجاج عن سبب ابتسامته تلك أجابه سعيد قائلاً: (عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك)..
* وأعجب أنا من ضيق أفق نجيب محفوظ وهو يحاول التعبير عن (جرأة !!) الشيطان الواعظ..
*كما أعجب من (حلم السماء !!!!).
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة المستقلة